27 - 09 - 2024

ياللى عالمَكْسَر يا أعضاء

ياللى عالمَكْسَر يا أعضاء

خالد شاب فى منتصف الثلاثينات من عمره، تخرج من كلية الطب وقضى سنة الإمتياز ثم إلتحق بالخدمة العسكرية وبدأ بعدها فى تحضير رسالة الماجستير وأخيرا استطاع أن يؤثث شقة متواضعة ويتزوج.

كان نادرا ما يتواجد فى البيت فهو بالنهار يعمل بمستشفى حكومى يتقاضى منها ما يكفيه بالكاد لسداد ثمن مواصلاته إليها وفى المساء يعمل بمستشفى خاص فى قسم الجراحة. 

ذات مساء إستدعته المستشفى لعيادة طفل صغير إسمه "أنس" .

 بعد أن فحصه جيدا كتب له بعض الأدوية وأخبر والديه أنه يحتاج عملية لإستئصال "اللوزتين" فى أقرب وقت، فقررا أن يُجريها له فى اليوم التالى مباشرة.

إستسلم الصغير للنوم بعد أن قضى يوما صعبا، وفى الصباح توجه مع والديه إلى المستشفى.

إستقبله الدكتور خالد بحفاوة وأدخله حجرة العمليات.

نظر إليه الطفل بدهشة وهو يسأله: هو حضرتك مش حتغير هدومك وتلبس لبس العمليات زى ما باشوف فى الأفلام؟

كان الطبيب يرتدى قميصا أسود اللون به خطوطا عرضية بيضاء ويضع قبعة سوداء على رأسه.

إبتسم الطبيب وهو يقول: هو دا لبس الشغل يا حبيبي.

نظر إليه الطفل وهو يتفرسه: هو مال عنيك وسعت كدة ليه يا أونكل؟

دكتور خالد مطمئنا: عشان أشوفك كويس.

الطفل: طب ليه ودانك طولت كدة يا أونكل؟

دكتور خالد: عشان أسمعك كويس. 

الطفل بخوف: طب مال بؤك وسع أوى كدة ليه؟

دكتور خالد بوحشية: عشان أكلك كويس.

أخذ الطفل يصرخ ويقاوم الطبيب، فأشار الأخير إلى الممرضة -التى كانت تقف على باب الغرفة للمراقبة- : إندهى الدكتور "دُنجل" بتاع التخدير يا "ريا"

جاء الدكتور "دُنجل" على الفور وهو يقطر دما، مرتديا نفس القميص الأسود ذى الخطوط العرضية البيضاء والقبعة السوداء.

الدكتور خالد: عايزين نسكت الجتة اللى فى إيدى دى.

دكتور دُنجل مطمئنا: عنيا يا معنمى ، حاسكتها خالص ، بس خُسانة أحطله بنج كتين.

دكتور خالد للممرضة "ريا": هو إيه اللى عايزينه فى الطلبية بتاعة الواد دا؟

تُخرج ريا من جيبها ورقة كبيرة مطوية وتفضها فتصل إلى قدميها وتبدأ فى القراءة: عايزين القلب والفشة والطحال والجوهرة واللسان والعكاوى و ال.....

دكتور خالد مقاطعا: طب والعكاوى حنجيبها منين ؟ دى جتة زعرة لموأخذة .

فجأة تحدث جلبة بالخارج ثم تقتحم الحجرة إحدى الممرضات.

دكتور خالد موجها إليها الحديث بانزعاج: فيه إيه يا سِكِينة ؟

سِكِينة بإرتباك: العيان بتاع الإسبوع اللى فات بيزعق برة وعايز عينه الشمال.

دكتور خالد بلا إكتراث: ما ينفعش ، إحنا ما صدقنا لقينا عين لونها "أُقْحُوانى" عشان مطلوبة فى روسيا، شوفيله أى عين يمشى نفسه بيها.

سكينة : طب "البيج بوس" بيقولك إنه خلع مناخير الحتة اللى فى إيده.

خالد بعد تفكير: خلى الدليفرى يبعتها عمارة الحاج "عشم"، الدور الأخير.

تتلجلج سِكِينة قليلا قبل أن تقول: معلش يا ضكتور، فيه زبون رجع الودن اللى بعتنهاله وبيقول إنه محتاج الفردة اليمين وحضرتك بعتِّله الشمال.

الطبيب بعنجهية: هو حيتأمر كمان؟، مش كفاية بنضحى بوقتنا وسُمعتنا عشان خاطر نراضى الزباين! قوليله يركبها مقلوبة، بلا دلع ماسخ .

تخرج الممرضة من حجرة العمليات، فيوجه خالد كلامه للدكتور دُنجل قائلا: يلا مد إيدك، بسم الله.

يبدأ الطفل فى الصراخ والمقاومة، فيتلفت خالد حوله بوجل قائلا: أنا شايف إننا نبتدى باللسان.

هنا يستيقظ أنس وهو يصرخ: ما تاخدش لسانى يا أونكل والنبى، عايز أتكلم بليز ... فتأتى أمه من حجرتها على عجل: مالك يا أنس؟

أنس وهو يبكى و يكاد يتجمد من الرعب: حياخدوا لسانى يا ماما.

تحتضنه الأم بحنان قائلة: دا كابوس يا حبيبى، بكرة إن شاء الله تخف وتبقى عال، إلا أن الطفل ظل يرتعد وراح يحكى لأمه الحلم وهو يرجوها ألا تذهب به إلى الطبيب.

فى مساء اليوم التالى ذهبت أسرة الطفل أنس إلى الدكتور خالد فى المستشفى، فإستقبلهم ببشاشة ، كان الذعر باديا على وجه الصغير و قد أخذ فى التشبث بأمه حتى لا تتركه يذهب مع الطبيب.

حكت له الأم ما كان من أمر الغلام، والكابوس الذى لازمه طيلة الليل، أخذ الطبيب يقهقه ضاحكا، ويهدئ من روع الصغير كى يستأنس به.

الطبيب: إيه اللى مخوفك منى يا أنس؟ إحكيلى يا حبيبى ما تخافش.

أنس وهو يجهش بالبكاء: أنا شوفتكم وإنتو بتسرقوا الأعضاء فى كل برامج التليفزيون، طنط منى العراقى وأنكل معتز فتنوا عليكو، وطنط ريهام سعيد وطنط .....

خالد مقاطعا و موجها كلامه للأم: إزاى حضرتك تسيبيه أدام التليفزيون يشوف الرعب دا!!

الأم بتسليم: يا دكتور أنا مش ملاحقة، كل ما بافتح التليفزيون بلاقيهم بيتكلموا فى نفس الموضوع.

خالد بأسى: حرام كدة والله، إيه الظلم دا !!! إحنا ميت مليون بنى آدم وعدد الأطباء مئات الآلاف، يعنى لو طبيب ولا إتنين عملوا كدة، يبقى كل الدكاترة مجرمين!! بينسوا إننا كل يوم بنحيى آلاف الحالات بإذن الله ويفتكرولنا دى! طب بلاش عشان خاطرنا احنا، إشاعة زى دى ممكن توقف حال السياحة أكتر ماهى.

ثم يوجه حديثه إلى أنس ضاحكا: يا أبو الأنس إجمد كدة، دا شكل واحد بيسرق أعضاء!!! دا أنا لحد دلوقت ماقدرش أشترى موبايل زى اللى فى إيد سعادتك دا، والله الموبايل التعبان اللى فى إيدى دا، لسه بادفع أقساطه لحد دلوقت.

أنس وهو ما يزال يبكى: انا متأكد يا أونكل إن كلكم حرامية، أنا شفت مسلسل فى التليفزيون ، فيه دكتور سرق كلية زميله وهو بيعملٌه العملية .

خالد وهو يكاد يستلقى على قفاه من الضحك: أكيد كانوا بيلعبوا عليها عالقهوة يا أنوس.

بدأ أنس يبتسم ويسلم نفسه للممرضة، وفجأة صرخ الدكتور خالد من الألم وهو يمسك ببطنه .

فأتى على الفور أخصائى الأمراض الباطنة وأخبره بضرورة خضوعه فى الحال للجراحة لإستئصال الزائدة الدودية.

دخل الدكتور خالد غرفة العمليات، فوجد زملاءه فى إنتظاره بالداخل وكلهم حماس وتوثب، نظر إليهم بريبة و قد أخذ يفكر فى كلام أنس، فداخله الذعر خاصة عندما تذكر العبارة التى كُتِبت على ظهر التوكتوك الذى إستقله للمجيء إلى المستشفى"لو عالصحاب يابا متعدش، بس نصهم ما بيسدش".

خالد بقلق: هو أنا ممكن أتبنج نصفى عشان أتابع معاكم.

طبيب التخدير بحزم: لأ طبعا ، دا إنت حبيبنا ولازمن نكرموك، ما تهدى أعضاءك كدة ياعم عشان نعرف نشتغل.

إستوقفت خالد كلمة "أعضاءك" التى قالها طبيب التخدير فكادت الدماء تتجمد فى عروقه، ثم هز رأسه، وأخذ يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم و نظر إليهم بذعر وهو يقول: طب شغلوا قرآن عشان أهدى شوية.

إستجاب طبيب الجراحة قائلا: والله يا خلود إنت إبن حلال، النهاردة الجمعة وفرصة أكمل سماع سورة  الكهف، قال ذلك ثم أمسك بهاتفه المحمول لتشغيل السورة، هدأ بال خالد قليلا، وفجأة سمع القارئ وهو يتلو "ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال" فنظر إلى زملائه بتوجس ثم نهض بحزم متوجها إلى باب الخروج.

صاح زميله قائلا: على فين يا خلود؟

خالد بحزم: مروح بيتنا.

الطبيب بدهشة: طب ومصرانك الأعور يابو الخلد؟

خالد وهو يتألم: كفاية هو أعور، مش حيبقى هو وصاحبه، أنا بعون الله بصحتى و ماتخلقش إللى يقف فى سكتى، سامو عليكو.
-----------------
بقلم: أماني قاسم

***

مقالات اخرى للكاتب

جاء فى مستوى الطالب الضعيف