27 - 09 - 2024

تجار الألم وموسم الجدل

تجار الألم وموسم الجدل

هناك مثل صيني شهير يقول "حتى الثعلب النائم يحصي الدجاج في أحلامه"، هذا هو واقع العلاقة بين الفقراء والأحزاب المصرية التي لا يعرف أحد من عموم الشعب المصري عددها ولا يستطيع العارفون بالسياسة ودهاليزها حصر أسمائها، لغيابها عن الساحة وعدم تأثيرها واحتباسها في مقرها بإرادتها أو بغير ذلك، فقد ظلت الأحزاب نائمة طوال السنوات الماضية كأنها من أهل الكهف، وفجأة استيقظت على نباح أصوات الانتخابات البرلمانية بغرفتيها (الشيوخ والنواب) التي بدأت تلوح في الأفق القريب حين أوشك مجلس النواب الحالي على الإنفضاض بعد مرور خمس أعوام شهد فيها الكثير من القيل والقال وكثرة السؤال حول دور المجلس وعطاء النواب.

وفي ظل البرد الذي يعصف بأجساد المواطنين وخاصة في المحافظات الساحلية، قرر عدد من النواب والأحزاب والراغبين في خوض سباق الانتخابات رفع حرارة الأجواء بتنظيم حفلات لتوزيع البطاطين على الفقراء والمحتاجين في مشهد خارج إطار الإنسانية وعمل لا علاقة له بالممارسات الحزبية والبرامج السياسية، وإنما عملاً من قبيل إذلال المواطنين الذين حاولوا أن يدفنوا رؤسهم في الرمال من شدة الحياء، هروبا من كاميرات الأحزاب والنواب ورجال الاعلام  التي أصرت على اصطيادهم  في مؤتمر البطاطين لفضحهم على الملأ، وكأن القائمين على هذه الأحداث يقولون للمواطنين البسطاء هذه ليست مّنة من الرحمن  يؤجر عليها الإنسان، بل هذه البطانية مقابل الصوت الانتخابي الذي يوصلنا إلى البرلمان ومن يأخذ هذه البطانية ولا يمنحنا صوته سنفضحه بين العباد في ربوع البلاد.

هؤلاء نسوا قول الأمام على بن أبي طالب رضي الله عنه "النصيحة على الملأ فضيحة"، فما بالنا بمن يمارسون الإذلال على أنه سياسة حزبية، والإصرار على فضح الفقراء على أنه ممارسة انتخابية، والتباهي بتقديم هدايا للمحتاجين في أعمال الأصل فيها السر والكتمان، هؤلاء يعلمون علم اليقين أن هذه الأفعال والممارسات تسيء إلي مصر وشعبها وتحط من قدرها وتجعل من المصريين أذلة عند أشخاص لا بستحقون من الحياة أنفاسها وليس تمثيلهم في برلمانها. هؤلاء احترفوا المهانة بدلاً من ممارسة السياسة والاستخفاف بعقول المواطنين وجرح مشاعرهم، بدلاً من مناقشة حاجتهم والاستماع إلى مطالبهم وتوصيل صوتهم.

للأسف أصبحت الأحزاب والشخصيات الراغبة في الانتخابات تتاجر بألم الناس وحاجتهم،  بدلأ من سعيها لتخفيف معانتهم ونشر الأمل بينهم بالخطط والعمل والتواصل الفعال حتى أصبح موسم الانتخابات موسما لإذلال الفقراء وإثارة الجدل بين الناس، ولكن في النهاية تحسم البطانية القرار، فقد تعرضت أثناء مشاركتي في الانتخابات الأخيرة كمرشح برلماني عن دائرتي لمواقف مثيرة، ولكن كان أكثرها تأثيرا في نفسي عندما ذهبت إلى  أحدى قرى مركز مطوبس في محافظة كفر الشيخ، وجلست بجوار القاضي الجليل لعدة دقائق ضمن جولة على اللجان، فإذا بسيدة طاعنة في السن من أمهاتنا الريفيات تدخل إلى اللجنة وتستلم ورقتها وتوقع على شخص واحد أمام القاضي فيقول لها القاضي يجب أن تضعي علامة أمام أسم أخر يا أمي حتى يكون صوتك صحيحا، فردت الأم قائلة، لا أنا هاعلم على واحد فقط لأنهم أعطوني بطانبة واحدة فقط. نظر إٍلى القاضي مذهولاً، وفي النهاية علا صوت البطانية على الجميع ونجح في إذلال المواطنين، لذا بدأت الأحزاب والشخصيات العامة في إعادته من جديد ليصبح البرنامج الانتخابي لبعض الأحزاب والشخصيات العامة هو البطانية بعد أن أثبت نجاعته في الدورة الماضية.
------------------------------
بقلم: رمضان العباسي

مقالات اخرى للكاتب

طالبة الآداب .. هل قتلت بالحب أم بالجهل وغياب الوعي؟