26 - 06 - 2024

الصحافة والمنافقون

الصحافة والمنافقون

بمناسبة انتخابات نقابة الصحفيين، كلنا نعرف أن المهنة تراجعت بشكل حاد وغاب المهنيون الحقيقيون وحلت بدلا منهم مجموعة من المتطفلين والمنافقين والمنتفعين، وبالتالي غابت معهم هيبة وقيمة وقامة المهنة وتلاشى تأثيرها ودورها في المجتمع، وانعدم دورها الرقابي والتوعوي فأصبحت أضحوكة الحكام والمحكومين على السواء، وتحولت سلالم النقابة من ملاذ للمظلومين يناشدون من خلاله المسؤولين إلي سقالات تسقى الجميع مزيدا من الأنين. 

هؤلاء المتطفلين والمنافقين والمنتفعين لم يفقدوا المهنة أصولها فقط، بل حولوا الصحافة من سلطة رابعة إلى سبوبة تبحث عن الفضائح بدلا من بحثها عن الأسرار والحقائق، وعادت الصحافة الصفراء ومعها كل الالوان القبيحة، تمارس الفضيحة فانصرف عنها القراء، وبالتالي منيت الصحف بخسائر فادحة لعدم قدرتها على ممارسة دورها وإحداث تأثيرها في المجتمع. 

وجاءت محنة كورونا والتهمت ماتبقى من أمل في التغيير ومنحت المتطفلين والمنافقين والمنتفعين الفرصة لممارسة البغاء وتصديره للصحفيين والمجتمع بأنه إنجاز في هذا الزمان، اعتقادا منهم أنهم يخاطبون سفهاء، فهل تنجح الجمعية العمومية في تصحيح المسار واختيار من يعيد للمهنة مهنيتها وللصحفي كرامته، أم سنواصل الاندثار؟ 

بالبحث في تاريخ النقابة نجد الإجابة واضحة وضوح الشمس الساطعة، فمنذ تأسيس هذا البيت العريق "نقابة الصحفيين " في مارس من عام ١٩٤١ تعرضت النقابة لعواصف عاتية ومحاولات متلاحقة لإثنائها عن دورها وتحويلها إلي نادي اجتماعي تمارس فيه لعبة الطاولة بعيدا عن السياسة والوعي والتنوير والرقابة وكشف الفاسدين، ولكن هذه المحاولات التي قادها الرئيس الأسبق محمد أنوار السادات كلها باءت بالفشل، وواصلت النقابة مسيرتها ونضالها بفضل أعضائها ونقبائها، وفي مقدمتهم الأستاذ كامل زهيري الذي قال مقولته الخالدة "عضوية النقابة مثل الجنسية لا تسقط" وتواصلت نجاحات النقابة في عهد النقيب ابراهيم نافع، فبالرغم من أنه كان ابنا بارا للنظام، لكن ذلك لم يمنعه من الاصطفاف في خندق الصحفيين في مواجهة القانون المعيب ٩٣ لسنة ١٩٩٥، حتى نجح في إسقاط هذا القانون الذي جاء ليكبل المهنة فكان مصيره العدم. 

الأمثلة على نجاح النقابة وانتصارها ضد كل قوى الظلام والفساد والاستبداد كثيرة وتاريخها حافل بالإنجازات والعلامات المضيئة، ولكن المؤكد أن كل هذه الانتصارات كان يقودها صحفيون مؤمنون بالمهنة دورها الارتقاء بالوطن والمواطن، مدافعين عنها وعن قدسيتها فأصبحوا أعلاما يجبرون الحكومات على تصحيح المسار واحترام القامات والحريات، وليسوا مثل المتطفلين والمنافقين والمنتفعين الذين ظلوا وسيظلون اقزاما يشجعون على الإهانات ويبحثون عن الامتيازات الشخصية بدلا من الحقوق والواجبات ومواجهة الأزمات. 

وبالرغم من الضباب الذي يلبد الأجواء، إلا أن النقابة قادرة بحسن اختيارها وما تمتلكه من ذخيرة وافرة من كتابها العظماء وصحفييها الكبار وشبابها المليء بالعزيمة والإصرار والثقافة والإبداع بعيدا عن المتطفلين والمنافقين والمنتفعين، أن تفرز من بين أعضائها من يعيد للمهنة بريقها ودورها وتأثيرها.
------------------------------
بقلم: رمضان العباسي
 [email protected]

مقالات اخرى للكاتب

طالبة الآداب .. هل قتلت بالحب أم بالجهل وغياب الوعي؟





اعلان