26 - 06 - 2024

اتفاقية أوكوس وتغيير موازين القوى

اتفاقية أوكوس وتغيير موازين القوى

“حصل كذب، حصلت ازدواجية، حصل تقويض كبير للثقة، حصل ازدراء، لذا فإن الأمور بيننا ليست على ما يرام”.

هذا ما صرح به لورديان وزير الخارجية الفرنسى فى تعليقه على اتفاقية أوكوس الأمنية..

فما الحكاية؟!

استيقظ العالم الأربعاء الماضى على نبأ استدعاء فرنسا لسفيريها في الولايات المتحدة وأستراليا للتشاور، احتجاجا على توقيع اتفاقية "أوكوس" الأمنية التى بموجبها تحصل أستراليا على تكنولوجيا لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية من الولايات المتحدة وبريطانيا.

وسبب الغضب الفرنسى يرجع إلى اعتبار هذه الخطوة بمثابة طعنة فى الظهر من الدولتين وتشكل سلوكاً غير مقبول بين الحلفاء، وتؤثر تداعياتها مباشرة في الرؤية الفرنسية لتحالفاتها وشراكاتها.

فقد فقدت فرنسا مليارات الدولارات نتيجة انسحاب أستراليا من صفقة  كانت قد وقعتها مع باريس عام 2016 بقيمة 40 مليار دولار لبناء 12 غواصة تقليدية.

ولا شك ان اتفاقية أوكوس لم تولد فى يوم وليلة ولكن كان يتم لها الإعداد منذ فترة وإن كان الإعلان عنها من خلال الشركاء الثلاثة الرئيس الأمريكي بايدن ورئيس الوزراء البريطاني جونسون ونظيره الأسترالي سكوت موريسون تم يوم الأربعاء الماضى، وتم إبلاغ فرنسا بها قبل ساعات فقط من إعلانها رسمياً.

وعلى الرغم من عدم ذكر الصين صراحة بأنها المستهدف من هذه الشراكة الإستراتيجية الدفاعية إلا أن القادة الثلاثة أشاروا إلى مخاوف أمنية إقليمية "نمت بشكل كبير".

وبموجب هذه الشراكة تصبح أستراليا الدولة السابعة في العالم التي تستخدم غواصات تعمل بالطاقة النووية وسيتشارك الحلفاء الثلاثة القدرات الإلكترونية والذكاء الإصطناعي وتقنيات أخرى تحت سطح البحر.. وقد أكد موريسون وزير الخارجية الاسترالى أنه يتفهم خيبة أمل فرنسا  لكنه غير نادم على قرار تفضيل مصلحة أستراليا الوطنية.. أما رئيس الوزراء البريطانى فقد أشاد بالاتفاقية ووصفها بأنها "حيوية للدفاع عن مصالحنا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".

فيما بدت الصين منزعجة بشدة، فقد اتهمت القوى الثلاث المشاركة في الاتفاقية بانتهاج "عقلية الحرب الباردة".

أغلب الظن أن هذا التنافس لن يمر دون تغيير ما في هيكل النظام العالمى فهناك توازن قوة ما يلوح فى الأفق، فصعود الصين الذى كان واقعا وحقيقة يشهدها العالم واتجاهها بقوة نحو قمة النظام الدولي طبقا لرؤية تبناها الحزب الشيوعي بتطوير الصين لتصبح دولة متقدمة متوسطة المستوى بحلول عام 2035 وإلى قوة عظمى على مستوى الولايات المتحدة عام 2050، هذا الصعود أصبحت تحيط به الشكوك بعد اتفاقية أوكوس الأمنية والتى تحاول الولايات المتحدة من خلالها استعادة التوازن الإستراتيجي بمنطقة غرب آسيا من خلال حشد التحالفات.

ولا شك أن القادم سيحمل تغييرات كبيرة فى موازين القوى بالمنطقة.. فقد بدأت الولايات المتحدة فى تطبيق استراتيجيتها التى وضعتها إدارة بايدن لمواجهة الصعود الصينى والذى بدأ بتراجع الهيمنة الأمريكية فى المنطقة العربية والتوجه شرقا نحو الصين وذلك بعدما أنهت مهمة إسقاط العديد من الأنظمة وتفتيت بعض الدول العربية وتمهيد الساحة لتطبيع عربى مجانى مع إسرائيل لتحتل صدارة المنطقة فى غياب الحليف الأمريكى وهى محاطة بمجموعة من الحلفاء العرب..أعقبته بخروج سريع ومربك من أفغانستان وترك الساحة الأفغانية لطالبان التى طالما وصفتها بالجماعة الإرهابية .. وها هى الأيام تنبئ عن اتفاقية أوكوس الأمنية والتى بالتأكيد لن تكون آخر مفاجآت إدارة بايدن.

ولا شك أن هذه التطورات المتسارعة تطرح تساؤلات حول مدى التغيير الذي سيطرأ على سياسة الولايات المتحدة والصين في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربى نتيجة هذا التنافس ويثير الجدل حول الفرص والتحديات والخيارات أمام الدول العربية في ظل تصاعد الاستقطاب بين هاتين القوتين.

---------------------------

بقلم: سحر عبدالرحيم*

* مدير تحرير دورية آفاق عربية وإقليمية

مقالات اخرى للكاتب

اتفاقية أوكوس وتغيير موازين القوى





اعلان