30 - 06 - 2024

كان لابد من ٣٠ يونيو (٢)

كان لابد من ٣٠ يونيو  (٢)

لماذا كانت تلك الحركات والتنظيمات السياسية مثل كفاية و٦ ابريل  ضرورة؟ ذلك لأن الظروف والمعطيات السياسية والحزبية حينذاك لم تؤهل الأحزاب ولم تعط القوى السياسية الفرصة الدستورية والقانونية لممارسة دورها المطلوب فى إحداث الإصلاح عن طريق نظام سياسى يعطى الحق لممارسة السياسة ترشيحا وانتخابا دون وصايات سياسية ودينية وقبلية واقتصادية، حتى تكون هناك احزاب ومجالس تشريعية تراقب الحكومة وتحاسبها. 

وذلك لم يكن وليد اللحظة سواء كان ذلك قبل ثورة يوليو أو بعدها، ولكن كان هذا امتدادا ومنذ معرفة مسمى أحزاب سياسية منذ الحزب الوطنى وقت عرابى أو الوطنى مع مصطفى كامل وما بعد ذلك وصولا لما قبل ٢٥ يناير وحتى الآن !!!  فالحياة السياسية المصرية ومنذ بداية معرفة شبه الشكل السياسى للحكومة بعد معرفة النظارات ( الوزارات )  والمجالس التشريعية تحت مسميات عدة (مجلس شورى النواب والجمعية الوطنية ..الخ) . كانت منحة من الحاكم لكى يعطى بعض الشرعية لقراراته وممارساته التى تحقق له المصلحة الذاتية له ولأسرته، وكان ذلك تقليدا ونقلا من النموذج الاوربى خاصة بعد الحملة الفرنسية. 

ولما كانت الممارسة السياسية هى نتاج تراكمات زمنية وتاريخية ونضالية فى مواجهة النظم الحاكمة وتحتاج هذه النضالات إلى درجة من درجات الوعى والمعرفة فى ظل ظروف معيشية معقولة، ولغياب تلك المقومات،  بدأت الحركة السياسية فى ظل ظروف غير طبيعية وغير مواتية خاصة فى الإطار الشعبى والجماهيرى لما كان يعانيه المواطن المصرى من مرض وفقر وجهل.،لذا يكون الطبيعى بديلا لذلك تلك الفئة المسماة ( بالنخبة). 

كانت النخبة المصرية ومنذ ظهورها على استحياء فى عهد محمد على هى صنيعة الحاكم حيث نشأت فى حضن هذا الحاكم وبرعايته، وكان ذلك عن طريق البعثات وانشاء المؤسسات التعليمية والصناعية وأهمها تكوين الجيش المصرى بعد أن أصبح من حق المصرى المشاركة فيه، مع العلم أن كل هذا كان لصالح الحاكم، بعيدا عن أى تفكير فى تكوين هذه النخبة أو أن تكون كل هذه الانشاءات لصالح الشعب (الذى كان يسمى بالرعية) وهذا بالطبع تعبير قبلى بامتياز. 

كانت هناك بعض المواقف التاريخية الفردية لهذه النخبة بما يتوافق مع الظروف الموضوعية والذاتية فى اى حدث، حتى كان موقف عرابى الذى جسد على أرض الواقع وفى مواجهة الحاكم موقفا يعتبر بادرة لما سيأتى بعده. هنا لابد أن نعلم أن تلك الحركة أو الهبة لم تكن كذلك بغير قيادة عرابى على اعتبار أنه قيادة فى الجيش أى جزء من النظام، ولذا كانت بداية لها مابعدها بالرغم مما حدث لعرابى من مواقف مخزية بعد خضوع توفيق للإنجليز. 

وعلى كل الأحوال كانت ولاتزال حركة عرابى موقفا ينسب له على مستوى الزعامة الفردية، تلك الزعامة التى تجعل هناك تتجمع حول الشخص وليس حول الهدف او الرؤية أو الموقف السياسى، ودليل ذلك ظلت هذه السمات الزعامية والفردية تصاحب مصطفى كامل ثم سعد زغلول وجمال عبد الناصر (وهم زعامات سياسية فى إطار عهودهم) ثم السادات ومبارك فى إطار وظائفهم الرئاسية. ولأن هذه التجمعات لم يكن الهدف والموقف هو الأصل فيها وجدنا مصطفى كامل يشهر بعرابى !!! ووجدنا سعد زغلول يرفض مشاركة محمد فريد فى تشكيل الوفد الذى سيقابل الإنجليز، ثم وجدنا ذلك الصراع المخزى بين زغلول وعدلى يكن رغم تلازمهما منذ الجمعية الوطنية التى كان فيها سعد وكيلا منتخبا ويكن  وكيلا معينا، وصراعهما الذى قسم حزب الوفد إلى حزبى الوفد والاحرار الدستوريين فى صراع حزبى أسس لصراعات حزبية كانت ولازالت وستظل!! مع توريث الجانب الذاتى والزعامة لغالبية تلك النخبة الوارثة والموروثة!. 

وبعيدا عن مزيد من الاستطراد فى مثل هذه النماذج والأمثلة، كانت هذه النشأة وتلك الطبيعة بمسبباتها الأساسية وهو غياب النظم السياسية التى لا تعرف أى ممارسة سياسية ديمقراطية حقيقية . 

هنا يمكن أن نقول ونحن مستريحون أن النظم السياسية المصرية، ومنذ ما أطلقنا عليه نظام دولة على أسس العلوم السياسية، كانت نظما تأخذ الحداثة شكلا بعيدا عن أى مضمون، خاصة أن السياسة ونظمها هى فى المقام الأول المواطن والمشاركة فى اتخاذ القرار بما هو فى صالح الأغلبية الغالبة من الشعب وليس الأقلية الحاكمة والمتحكمة طوال الوقت. 

هنا نجد أن الظروف لاتعطى الفرصة لأى قوى سياسية وجودا وتواجدا وممارسة حقيقية، لذا لا يمكن وجود الإصلاح عن طريق الدستور والقانون والبرلمان وهكذا كانت الامور قبل ٢٥ بناير.
----------------------------
بقلم : جمال أسعد


.

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (١٤)





اعلان