30 - 06 - 2024

كان لا بد من ٣٠ يونيو (٥)

كان لا بد من ٣٠ يونيو (٥)

نعم كان هناك تجاوب جماهيري غير متوقع فى نزول هذه الجماهير إلى ميدان التحرير يوم ٢٥ يناير ٢٠١١. فهل كان هذا التجاوب نتاجا لحركة سياسية وحزبية من جانب القوى السياسية والأحزاب والحركات؟ أى هل كان هذا النزول فى إطار حزبى وتنظيمى؟ بالطبع لم يكن هذا النزول نتاج أى أوامر حزبية لجماهيرها ، حيث أن تلك القوى السياسية والحزبية كانت تتحرك فى إطار اقرب للحركة الفردية منه إلى الحركة التنظيمية. 

وهذا يعنى بكل وضوح أن ٢٥ يناير لم يكن نتاج دعوة تنظيم يملك البرنامج الثورى البديل للسلطة حين إسقاطها . فقد كانت هناك احزاب تسمى بالتاريخية لم تتجاوب مع النزول فى ٢٥ يناير . إضافة إلى الرفض الصريح لجماعة الإخوان فى المشاركة . مع العلم أن الجماعة كانت تعتبر هى التنظيم الذى يمكن أن يأمر اعضاءه بالنزول لو أراد . 

وهنا يمكن أن نعتبر ٢٥ يناير فى البداية كان توافقا سياسيا بين التيارات السياسية المختلفة بكل تناقضاتها من اليمين الى اليسار . لاشك فإن نزول الجماهير بهذه الكثافة وبتلك الحماسة كان نتيجة طبيعية للظرف الموضوعى أى للحالة المتردية التى يعيشها المواطن وعلى كل المستويات . ولذا كانت مظاهرة تجنح إلى الدعوة الإصلاحية فى عدة أمور كما قلنا سابقا . فى المقابل كان هناك استنفار أمنى غير مسبوق من جانب الشرطة الشئ الذى ارهقها جسمانيا ونفسيا وقد لاحظنا ذلك مساء ٢٥ فى شارع القصر العينى  طوال اليوم مع الصديق أسامة سلامة وبعض الصحفيين من روزاليوسف .

استمر التجمع رافعا شعارات إصلاحية حتى الواحدة صباحا وكان من الطبيعي أن يتم فض التجمع حيث أن العدد بدأ فى التنازل . 

من ٢٥ يناير وحتى الدعوة للنزول فيما سمى بجمعة الغضب فى ٢٨ يناير . حدثت بعض المظاهرات فى محافظات الوجه البحرى مما جعل الزخم مستمرا ومتواصلا. قامت المظاهرات بعد صلاة ظهر ٢٨ ولم يكن هناك أى ظهور لجماعة الإخوان حسب إعلانهم المسبق . بعد العصر انقلبت المظاهرات إلى حالة من حالات الفوضى الحقيقية والتخريب المتعمد الذى لاعلاقة له لا بإصلاح ولا بثورة حقيقية تسعى إلى التغيير للاحسن . هنا ظهرت جماعة الإخوان خاصة بعد ظهور بعض دبابات القوات المسلحة وعليها شعار (يسقط حسنى مبارك).

نقول تخريبا حقيقيا حيث أن الثورة إذا كان لها أن تواجه المناهضين لها بهدف انجاحها، فهل مواجهة قوات الشرطة التى تساقطت بعد عصر ٢٨ مباشرة كانت تعنى الحرق والتكسير والتدمير ؟!!! واذا كان الإصلاح والثورة يسعيان إلى التغيير للأحسن فى إطار الحفاظ على الوطن وتغيير النظام الحاكم بكل سياساته وتوجهاته يعنى الخلط بين الوطن الباقى والسلطة الزائلة؟ هنا يمكن أن نقول بكل راحة ضمير أن هناك قوى شريرة تسعى إلى الوصول إلى السلطة حتى لو كان ذلك على حساب سلامة الوطن، مستغلة تلك القوى السياسية التى كانت تهدف إلى الإصلاح أو الاسقاط فى إطار يبعد عن الفوضى . 

يمكن أن نقول إن هذا الاستغلال كان نتيجة لغياب حياة وممارسات سياسية أبعدت السياسة والسياسيين عن الجماهير، فكانت هذه هى الفرصة الذهبية لتلك الجماعة أن تخترق المشهد وتستغل القوى الوطنية فى تحقيق مطامعها الحزبية والذاتية متدثرة برداء الدين . استطاعت الجماعة استغلال الزخم الجماهيرى والمظاهرات التى كانت تدعو لها تحت مسميات حزبية اخوانية لاعلاقة لها بالوطن وسلامته ولا المواطن ومصلحته . ساعد على ذلك أن تركت القوات المسلحة وهى الحاكم الدستورى والقانونى حينذاك المجال للاخوان  أن تفرض ماتريد عن طريق هذه المظاهرات حتى أننا وجدنا الميدان يعين رئيس الوزراء!!

الإشكالية هنا، أن الثورات لاتعتمد على الجماهير فحسب ولكنها تعتمد أكثر على التنظيم الثورى الذى يرصد الفعل ويقرا الواقع على أرضية ولديه رؤية واضحة ثم يقود الجماهير . وهذا لاعلاقة له بمقولة أن هذه الثورة كانت بلا صاحب !! نعم إذا كان الأمر كذلك فكان طبيعيا أن تقفز الجماعة على تلك الثورة التى لاصاحب لها . ولكن الأخطر كان ذلك برضا ومساعدة تلك القوى التى دعت ونزلت إلى الميدان حيث أن هذه القوى كانت بين خيارين بين ماسمى برمز  الفلول وبين ممثل الإخوان وهما لايفترقان. كانت ثورة ليس لها صاحب حتى أننا وجدنا مئات الحركات والائتلافات الشبابية وغير ذلك مما جعلنا نعيش بالفعل حالة فوضى . هنا كان القرار للجماعة حتى وصلت إلى حكم مصر تلك الأمنية التى كانت حلما وخيالا لها بكل الأكاذيب والاختلاقات والأهم أن هذا التنظيم لاعلاقة له بالسياسة أو البرنامج السياسى الذى يحكم المصريين كل المصريين وليس الأهل والعشيرة فقط .
-----------------------------
بقلم : جمال اسعد

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (١٤)





اعلان