20 - 06 - 2024

حرب غزة 2023.. في مواجهة الرسائل الخطيرة من قلب المعركة

حرب غزة 2023.. في مواجهة الرسائل الخطيرة من قلب المعركة

الملاحظات الدقيقة التي رصدتها الكاتبة الفلسطينية بيسان عدوان في مقدمة تقريرها بعنوان "الاستيطان الجديد العودة إلى غزة وسيناء" المنشور مساء الخميس على موقع "180 نيوز"، من واقع رصد الصحف ووسائل الإعلام العبرية، تسترعي الانتباه وتدق أجراساً وتضيء إشارات حمراء، تشير إلى "خطة ممنهجة" للمستوطنين. لم يعد المستوطنون تلك المجموعات الصغيرة الطليعية غير الرسمية للتوسع الصهيوني في الضفة الغربية، بل أصبحوا ممثلين بقوة، هم والأحزاب الدينية المتطرفة وأحزاب أخرى أكثر تطرفاً، في الحكومة الحالية التي تشكلت بعد الانتخابات الأخيرة بزعامة بنيامين نتنياهو وحزب الليكود. 

ومن المؤسف حقاً أننا لا نملك مراكز، ولا حتى برامج، للدراسات الإسرائيلية تتيح لنا متابعة ورصد وتحليل ودراسة التطورات الحادثة على الساحة الإسرائيلية، والتي كان من شأنها أن ترصد هذه التحولات الجارية والاستعداد لها على مستوى الوعي العام والسياسات العامة. فلم يعد كافياً أن نصف الحكومة الإسرائيلية بالتطرف، أو أن نصدر أحكاماً عامة من قبيل أن "المجتمع الإسرائيلي يتجه يميناً"، بل يتعين علينا أن نحدد بدقة ماذا يعني هذا التطرف وماذا يعني التوجه اليميني للمجتمع وللسياسة في إسرائيل. وامتلاك مثل هذا المركز أو البرامج البحثية لم يعد ترفاً، بل بات ضرورة من ضرورات الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي وعلى المستوى الإقليمي.

لم يعد من اللائق أو الجائز الاكتفاء في إدارة صراعنا مع هذا المشروع التوسعي بالرفض والمقاطعة والإدانة والتشهير بسياسات إسرائيل، أو الركون إلى إيماننا بأن هذا المشروع محكوم عليه بالزوال الحتمي، والتعامل مع النبوءات الدينية والسياسية التي قالت بزواله على أنها نبوءات ستتحقق بالضرورة، علينا أن ندرك أنه عندما صرح مؤسسو دولة الكيان الصهيوني بمثل هذه النبوءات فإنهم لم يتوقفوا عند النبوءة وإنما بذلوا ويبذلون كل ما يمكن من أجل تغيير الظروف التي تفضي إلى تحققها، وأنهم يباشرون مشروعهم للتغيير عبر سلسلة من التغيرات الصغيرة الممكنة التي تؤسس لوضع جديد يتم الانطلاق منه لتغيير الواقع، حدث هذا قبل حرب عام 1948 وبعدها، مثلما يحدث الآن على الأرض في قطاع غزة، بينما ننشغل نحن بالأهداف الكبرى والبعيدة، وندين كل مكسب صغير جرى تحقيقه على الأرض، كانت بمثابة انتصارات كبيرة، لا شيء سوى أنها قوضت أساسا من الأسس التي قامت عليها الأسطورة الصهيونية الرئيسية. علينا أن نعيد النظر في موقفنا من هذه المكاسب الصغيرة التي تحققت وألا نقف كثيرا عند المعوقات التي تعترضها كمبرر لإدانتها واتخاذ موقف سلبي منها. سنلفت في هذا المقال النظر إلى عدد من المكاسب التي استطاع الفلسطينيون والعرب تحقيقها على مدى عقود، والتي يسعى المستوطنون والمتطرفون تفكيكها لفرض رؤيتهم ومشروعهم على الأرض.

الموقف من فلسطيني 1948 

من بين هذه المكاسب التي وقفنا منها موقفاً سلبياً، الفلسطينيون الذين تشبثوا بالأرض ولم يهاجروا منها ولم يتركوا بيوتهم في حرب عام 1948، وتحملوا عناء الخضوع للاحتلال العسكري المباشر والحكم العسكري الذي فرضه عليهم المحتل لعقود، وكافحوا من خلال كل نافذة فتحت لهم من أجل الاندماج والتأثير لتغيير وضعهم والدفاع عن حقوقهم. لقد واجه هؤلاء الباقون على الأرض هناك منا نظرات الشك والتخوين ورفض التعامل بزعم المقاطعة، ورفض ما يعرف بـ "الأسرلة"، التي تبدأ باكتسابهم جنسية الدولة التي نرفض الاعتراف بها أو اندماجهم المتزايد مع المجتمع اليهودي، وفي الأحزاب الإسرائيلية لينفوا عن المجتمع والدولة السياسة صفة "اليهودية"، الأمر الذي دفع حكومة الليكود إلى فرض قانون يهودية الدولة، أو قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل، الذي أقره الكنيست في 19 يوليو 2018، بأغلبية 62 عضواً ومعارضة 55 وبامتناع نائبين عن التصويت، وهو القانون الذي مزقه النواب العرب في الكنيست وأحدث انقساماً داخل إسرائيل وأدانته منظمة العفو الدولية لأنه يشرعن العنصرية ويرسّخ ويعزّز 70 عاماً من التمييز واللامساواة التي يتعرّض لها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة. 

يُعد الوجود العربي الفلسطيني على الأجزاء من أرض فلسطين، التي ذهبت للإسرائيليين بموجب قرار التقسيم لعام 1947 بداية، ثم بموجب اتفاقات الهدنة لعام 1949، المسمار الأول في نعش التصور الصهيوني لفلسطين باعتبارها "أرض بلا شعب"، وفكرة نقاء الدولة اليهودية بحيث تكون دولة لليهود وحدهم، وهم الذين يقفون في وجه مشاريع فرض السيادة اليهودية على فلسطين، ويناضلون من أجل دولة ديمقراطية يتمتع مواطنوها بحقوق المواطنة كاملة. وواقع الحال الذي ما زلنا نصر على رفضه، لأسباب سياسية في المقام الأول، هو أن الحقوق والمزايا التي حصل عليها فلسطينيو الداخل تفوق بمراحل ما حققه المواطنون الخاضعون للسلطة الفلسطينية في غزة وما حققه المواطنون في كل الدول العربية المحيطة على مستوى الحقوق الفردية، وعلى مستوى الحقوق السياسية والاجتماعية والحريات العامة والفردية، رغم أنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، بسبب سياسات التمييز ضدهم والطابع العنصري للدولة اليهودية، وبسبب تواجدهم بات من الممكن وضع سياسة على المستوى الدولي تصف الصهيونية بأنها شكل من أشكال العنصرية بما قد يترتب على ذلك من إجراءات ضد الدولة التي تتبنى هذه الأيديولوجيا كأساس عقائدي لها. 

ومن المؤسف أيضاً، أنه لا يوجد اهتمام بدراسة المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، الذي يبقي على الذاكرة الوطنية الفلسطينية من خلال إحياء ذكرى عدد من الحوادث المرتبطة بالكفاح الوطني الفلسطيني، مثل الاحتفال بيوم الأرض في 30 مارس من كل عام، أو إحياء ذكرى مذبحتي دير ياسين وكفر قاسم، ودعم صمود الفلسطينيين في القدس عبر الذهاب أسبوعياً للصلاة في المسجد الأقصى والتضامن مع الكفاح الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة، وكسب التأييد للحقوق المشروعة للفلسطينيين، بل وقدرتهم على التأثير على الخريطة السياسية الإسرائيلية عبر قوائمهم العربية الخالصة أو من خلال نشاطهم في الأحزاب السياسية المختلفة، بما في ذلك حزب الليكود وتواجدهم في الكنيست وفي الصحافة والإعلام، ولا يخفى أن أحد الأسباب الرئيسية لانقلاب حكومة نتنياهو الحالية على القضاء وعلى الأسس الديمقراطية للدولة من خلال عدد من التشريعات كان الرغبة في الحد من نفوذ وتأثير الوسط العربي، هناك. إننا بحاجة ماسة لإعادة نظر جذرية في موقفنا من فلسطيني الداخل ووضع خطط وبرامج للتواصل معهم ودعم صمودهم في مواجهة خطط الترحيل ومبادلة الأرض والسكان التي تسعى الأحزاب الصهيونية لفرضها في أي اتفاقيات مستقبلية لتسوية المشكلة الفلسطينية.

أوسلو خطوة على الطريق إلى الدولة الفلسطينية         

من بين المكاسب التي تحققت أيضاً، ووقفت الحكومات والرأي العام العربي منها موقفاً سلبياً منها، اتفاقية أوسلو التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل في عام 1993. لقد استندت هذه الاتفاقيات على فكرة طرحها الكاتب المصري الراحل أحمد بهاء الدين، مفادها أن التحرير يبدأ بتحرير شبر من أرض فلسطين وإقامة سلطة فلسطينية عليها. لقد مثلت مفاوضات أوسلو انتصارا توج المقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني منذ توسعه على الأرض الفلسطينية. فقد أجبرت المقاومة إسرائيل على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، وأتاحت لها تواجداً مشروطاً على الأرض الفلسطينية، وهو مكسب كان من الممكن البناء عليه من خلال فرض واقع جديد، يتم الانطلاق منه لتحقيق المزيد من المكاسب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وامتلاك أدوات جديدة للصراع وللضغط من أجل الحصول على مزيد من المكاسب. لقد أدرك اليمين الصهيوني ما في هذه الاتفاقية من مخاطر على مستقبل المشروع الصهيوني إلى حد دفعهم لتشجيع اغتيال اسحق رابين، رئيس الوزراء الذي وقع على اتفاقية أوسلو مع زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، وسعت الأحزاب الصهيونية اليمينية إلى تقويض هذه الاتفاقية والسعي للانقلاب عليها بشكل ممنهج، ذلك لأنها وضعت حداً للتوسع الاستيطاني من الناحية النظرية، رغم استمراره من الناحية العملية في تحد للقانون الدولي وللمجتمع الدولي. 

ومن المفارقات، أن حماس جاءت إلى السلطة الفلسطينية وحازت هذا الوضع المؤثر على الساحة الفلسطينية وعلى الساحتين الإقليمية والدولية بموجب اتفاقية أوسلو التي رفضتها واعترضت عليها وأدانت القيادة الفلسطينية التي وقعتها. لقد أتاحت هذه الاتفاقية إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير عام 2006، والتي فازت حماس فيها بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني. بل تعزز موقفها بانسحاب إسرائيل من جانب واحد من قطاع غزة في صيف وخريف عام 2005، وحولت قطاع غزة رغم الحصار المفروض عليه إلى قاعدة لفصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة التي أخضعتها لسلطتها. إن موقف حماس من السلطة الفلسطينية في رام الله والانقسام الفلسطيني-الفلسطيني، المترتب على ذلك، ومزايداتها على السلطة ونهجها كان من بين السلبيات التي أثرت على الوضع الفلسطيني، وأحدثت حالة من الاستقطاب الذي يحول دون تحقيق تكامل بين الأدوات والوسائل لمباشرة الصراع مع إسرائيل. ورغم إشارة حماس إلى استعدادها للعدول عن موقفها الرافض لحدود 1967 كأساس لأي تسوية مع إسرائيل، فيما يفتح الباب أمام تحولات أخرى في موقف الجناح السياسي للحركة. من الجدير بالذكر، أن الجناح السياسي للحركة كان في طريقه إلى أن يتحول إلى سلطة مشابهة للسلطة الفلسطينية في رام الله، وأن تتحكم في سلوك الفصائل المسلحة وحريتها في شن هجمات على إسرائيل دون موافقة أو تنسيق مع القيادة، على النحو الذي تبين في المواجهة بين الجهاد الإسلامي وحماس في صيف 2022. وقد عولت إسرائيل كثيراً على هذا الموقف واطمأنت إلى أن الهدنة التي أبرمتها مع حماس بوساطة مصرية بعد مواجهات استمرت 11 يوماً في مايو 2021. 

إن إصرار إسرائيل على تدمير سلطة حماس في غزة عبر اجتياح للقطاع ولمدينة غزة وطرح إعادة احتلال القطاع عسكرياً، من شأنه أن يثير لعاب الأحزاب اليمينية والمستوطنين إلى مواصلة الانقضاض على الفلسطينيين في الضفة الغربية وحسم الصراع معهم عسكرياً من خلال تفكيك وتصفية فصائل المقاومة في الضفة الغربية وتفكيك السلطة الفلسطينية في رام الله، الأمر الذي يفرض معادلة جديدة للصراع مع الفلسطينيين، وتصفية نتائج أوسلو تمهيدا للشروع في خطتهم الممنهجة لتصفية الوجود الفلسطيني المستقل على أرض فلسطين من خلال تهجير أكبر عدد منهم إلى الدول المجاورة ودمج من تبقى منهم كأقلية، وتقليص الحقوق التي يتمتعون بها والقضاء أيضا على وجودهم المستقل كجماعة وطنية، من شأنه أن يوسع من جديد دائرة الصراع ذلك أن مخططات التهجير لا يمكن تمريرها إلا عبر الدخول في حروب مع دول الجوار واحتلال أراض فيها ونقل السكان إليها، وهو ما كشف عنه التقرير المذكور فيما يخص قطاع غزة ومساحة من سيناء المصرية كخطوة أولى في هذه الخطة الممنهجة.

والملاحظ أن التحرك العسكري الإسرائيلي في غزة يتجاوز الأهداف التي أعلنتها إسرائيل للحرب والمتمثلة في القضاء علي سلطة حماس وتفكيك البنية التحتية للفصائل المسلحة وإعادة الأسري الإسرائيليين، وسياسات الارض المحروقة التي تتبعها دولة والضغط من أجل تهجير السكان قسرا إلى الوسط والجنوب، والخطط التي أعلنتها لشمال وغزة وتمركز آلياتهم العسكرية فيها، إلى تنفيذ ما يعرف إعلاميا بمشروع العودة إلي غزة وسيناء والذي يحمل اسم " خريطة سيجال"، ويحظى هذا المشروع بقبول نسبة لا بأس بها من الرأي العام الإسرائيلي، فحسب استطلاع للرأي نشرته صحيفة "معاريف"، فإن 22 بالمئة يؤيدون إبقاء قطاع غزة تحت سيطرة عسكرية وأمنية إسرائيلية فقط، بينما يؤيد 22 بالمئة بقاء إسرائيل في القطاع، بما في ذلك إقامة المستوطنات، أي أن 44 بالمئة يريدون إبقاء سيطرة إسرائيل بشكل ما على القطاع فيما تبلغ نسبة المؤيدين لمغادرة إسرائيل للقطاع بعد الحرب 41 بالمئة فقط من الإسرائيليين. وقد تعكس هذه النتائج الانقسام القائم في إسرائيل بخصوص أوسلو ومستقبل العلاقة مع الفلسطينيين، وتشير في المجمل إلى تراجع الكتلة المؤيدة للسلام مع الفلسطينيين بين الناخبين، وهو ما يفسر تحول الخريطة السياسية يميناً. 

الموت السريري لليسار وقوى السلام

من بين المكاسب الأخرى التي تحققت في خضم الصراع العربي-الإسرائيلي، ثم الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وجرى تقويضها وتصفيتها، تبلور ما يعرف اصطلاحا باسم معسكر السلام الذي استند إلى أحزاب يسارية يهودية وإلى قوائم يهودية-عربية مشتركة في الكنيست. هناك أسباب عديدة، داخلية وخارجية، أدت إلى تراجع هذا المعسكر في السياسة الإسرائيلية وصعود اليمين كقوة مهيمنة سياسياً على مراكز صنع القرار في إسرائيل. قد لا يتحمل الفلسطينيون والحكومات العربية السبب المباشر لهذا التحول، الناجم عن تحولات ديموغرافية في تركيبة المجتمع اليهودي في إسرائيل، وصعود اليمين الديني هناك. لكن من المؤكد أن الفلسطينيين والحكومات العربية تتحمل قدراً من المسؤولية في تقاعسها على دعم هذا التيار ودعمه وتعزيزه وبناء تحالفات سياسية داعمة للتسوية السلمية للصراع مع الفلسطينيين ومعارضة للتوسع الاستيطاني، واللعب على تخوفات معسكر اليسار العلماني من صعود التيارات الدينية المتطرفة، بل وتوظيف ورقة الثقافة العربية في إسرائيل والتي ترتكز على فلسطيني الداخل وكذلك على اليهود العرب الذين هاجروا إلى إسرائيل، لاسيما يهود المغرب ويهود العراق.   

إن الخطط الإسرائيلية لقطاع غزة، لاسيما الخطط العملية مثل الخطة التي أعلنها عضو الكنيست من حزب الليكود، أميت هاليفي، تشير إلى التصور الإسرائيلي للتعامل مع القضية الفلسطينية في المستقبل. كشف هاليفي عن برنامج منظم حول كيفية التعامل مع قطاع غزة بعد الحرب، محذراً من الكلفة البشرية والمالية الباهظة المترتبة على إعادة احتلال، علاوة على الثمن الباهظ الذي تم دفعه بالفعل في الحرب لتوجيه ضربة ساحقة لحماس، والأهداف الأربعة المعلنة للحرب والمتمثلة في: التحرير الكامل للقطاع من سيطرة حماس، مع الانهيار الكامل والنهائي لحكمها وعودة السيطرة العسكرية والمدنية إلى دولة إسرائيل؛ والقضاء على عشرات الآلاف من مقاتلي حماس أو طردهم من قطاع غزة وكل العمال الفلسطينيين خارج القطاع، والقضاء على كافة البنى التحتية للمنظمة؛ وتوجيه ضربة نفسية حاسمة من خلال القطع الفوري وقصف كافة البنى التحتية حتى استسلامها من كهرباء ووقود ومعدات. المياه والاتصالات والإنترنت والطرق؛ وفتح أبواب قطاع غزة على الحدود المصرية، وفتح أبواب الهجرة إلى مصر والبحر. يكمل هذه الأهداف خطة تقضي بتقسيم القطاع إلى خمسة أجزاء، وإقامة خمس مستوطنات مركزية هناك، يقطن كل منها حوالي 100 ألف نسمة على الأقل في كل واحدة منها"، مفسرا أن تلك الكتلة السكانية هي لقطع الاستمرارية العربية هناك. 

يدرك هاليفي أن هذه الحرب الصعبة في غزة تمثل فرصة لإحداث تغيير جذري في النظام الإقليمي، وتحقيق السلام الذي تتطلع إليه إسرائيل، وفرض حل الدولة الإسرائيلية الواحدة على الفلسطينيين وعلى دول المنطقة كأمر واقع، وعلى ما يبدو أن هناك قوى دولية تدعم مثل هذا الحل وتعمل على تمريره وتسهيله. فقد كشفت وكالة “بلومبرغ” عن خطة أوروبية لإغراء مصر، بقبول السماح بتهجير فلسطيني القطاع إلى سيناء بعرض خطة تركز على أولويات ست، تشمل مجالات الاقتصاد والاستثمارات والهجرة والأمن، وبالإضافة إلى خطة استثمارية يقترحها الاتحاد وتهدف إلى ضخ تسع مليارات يورو إلى سيناء. لكن من الواضح أن هناك معارضة فلسطينية ومصرية لمثل هذه المقترحات، الأمر الذي يعني أن فرض مثل هذه الحلول لن يتم إلا عبر حروب إقليمية محدودة قد تغير تماماً من معادلة الصراع. كذلك تمسك دول الخليج العربية، وفي مقدمتها السعودية بورقة تفاوض مهمة للتأثير على الموقف الإسرائيلي والدولي، بالإصرار على ربط تقدم علاقاتها مع إسرائيل بالتقدم في التوصل إلى تسوية منصفة للقضية الفلسطينية.

إن حرب غزة كشفت عن حقائق جيدة على الأرض إسرائيليا وفلسطينيا وعربيا وإقليميا ودوليا، وهي حقائق بات من الصعب المخاطرة بإسقاط ورقة المقاومة الفلسطينية وقدرتها على توجيه ضربات موجعة للإسرائيليين. قد نعزز هذه الضربات قوى اليمين على المستوى القريب، لكن من المؤكد أن إسرائيل لن تجلس على طاولة المفاوضات إلا إذا تأكد لها صعوبة حسم صراعها مع الفلسطينيين عسكريا، وإلا إذا تزايدت تكلفة الصراع اقتصاديا وبشريا، وهذه أمور قابلة للتحقق في ظل التوازن الراهن. المعركة الحقيقية التي يتعين على الفلسطينيين والعرب كسبها هي الحفاظ على هذا الميزان وتعزيزه دولياً وإقليمياً، ووضع خطط تستفيد من التناقضات داخل إسرائيل، علينا الاستفادة من المكاسب الصغيرة والبناء عليها للتقدم نحو الهدف.
-------------------------------
بقلم: أشرف راضي


مقالات سابقة للكاتب عن حرب غزة

طوفان الأقصى.. علامة فارقة في الصراع مع إسرائيل

الحرب على غزة وتوسيع مبدأ تدفيع الثمن ليصبح عقيدة قتالية للجيش

وقفة مع "حرب غزة 2023" وسيناريوهات للمستقبل

حتى لو تم تدمير غزة لن تنتهي قضية فلسطين

تغيير البيئة الإقليمية للصراع | حرب غزة 2023، وإعادة ترتيب ضرورية لأوضاعنا الداخلية والإقليمية

حرب غزة 2023 وتحولات البيئة الدولية للصراع

حرب غزة 2023.. وتجديد الصهيونية | إسرائيل تنفذ عملية ممنهجة لتصفية القضية الفلسطينية

حرب غزة 2023.. حول التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية

حرب غزة 2023.. التفاعل المتسلسل الذي أوصلنا لهذا الوضع وكيف ننهيه

مقالات اخرى للكاتب

حرب غزة 2023.. مستقبل غزة أم مستقبل فلسطين؟





اعلان