29 - 06 - 2024

ملتقي الشربيني يطرح السؤال الشائك: ماذا لو أُجْبِر الفلسطينيون تحت القصف على عبور الحدود؟ (1 من2)

ملتقي الشربيني يطرح السؤال الشائك: ماذا لو أُجْبِر الفلسطينيون تحت القصف على عبور الحدود؟ (1 من2)

* زيارة "بلينكن" الأولى كانت ترويجا للتهجير القسري للفلسطينيين 
* محمود الشربيني: نحن في لحظة الخطر .. بين منع "الترانسفير" وحرمة الدم العربي
* عبدالله السناوي: كل الشعوب تحارب عندما تفرض عليها الحرب، وعليها أن تقاتل إذا فرض عليها القتال
- لم نكن موفقين في تأييد 
صفقة القرن قبل اتضاح معالمها، ولا في مطالبة الإسرائيليين بالدفع بالفلسطينيين إلى صحراء النقب ولا في اقتراح إنشاء دولة منزوعة السلاح

منذ أن اندلعت عملية طوفان الأقصي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعمليات التي شنتها كتائب القسام ضد العدو الصهيوني، وملتقى الشربيني الثقافي (بفرعيه القاهرة وشبين القناطر ، وبشعاره الشهير شمعة تقاوم العتمة) يجمع رواده وأركانه وجمهوره ، ليتحلقوا حول فكرة دعم المقاومة (كمقاومة ضد الاحتلال وليس كفصيل مذهبي له عقيدة دينية معينة) لنصرة المقاومين الفلسطينيين ضد جيش الاحتلال .

وقد عقد الملتقي في هذا الاطار ثلاث ندوات موسعة ، إحداها في القاهرة والاثنتين الاخريين في  شبين القناطر، قبل أسبوعين أو أكثر. 

تحدث في الملتقى الأخير-  الذي كان عنوانه بعد أن تسكت المدافع في غزة-  الكاتبان الكبيران عبد الله السناوي رئيس التحرير السابق لجريدة العربي الناصري (المتوقفة حاليا عن الصدور)  ونبيل عبد الفتاح مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية السابق والخبير بالمركز حاليا والكاتب بالأهرام.

بينما احتشد في ندوات الملتقى بشبين القناطر قيادات اليسار المصري في محافظة القليوبية ، يتقدمهم أمين عام حزب التجمع بالقليوبية خبير التأمينات كامل السيد ، ونحو ٢٥ مبدعا  (بين شاعر وقاص وروائي وناقد وكاتب وصحفي)، فيما تحدث في ندوة أخري أستاذ الاقتصاد والتمويل بأكاديمية السادات والأستاذ الزائر بجامعات موسكو الدكتور نور ندا، عن تأثير العملية الفلسطينية علي اقتصاديات المنطقة .   

اللحظة الخطرة

في البداية قال مؤسس ومدير الملتقى  الكاتب الصحفي محمود الشربيني: شغلتني لحظة خطرة علي مدار انعقاد تلك الندوات، وهي ما الذي يمكن أن يحدث تحت وابل النيران العنيف وهذه الإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة .. هل يبقي الغزاويون يسقطون ضحايا، المئات منهم تلو المئات بفعل ضربات القصف الصاروخي التي تحول البيوت والملاجيء والمخيمات والمستشفيات إلى ركام في لحظات؟ هل لن يفكروا في النجاة بأنفسهم من لعلعة البارود ودوي الرصاص في كل أنحاء القطاع، وهو يحصد أرواح الأطفال والنساء والرجال من أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل؟ ألا ينجون بأنفسهم بأي وسيلة وبأي طريق، حتي لو كان الطريق الذي ينشده الكيان الصهيوني المحتل وهو دفعهم نحو الحدود المصرية، فتصبح منطقة غزة كلها غير صالحة للسكن ومفرغة من أهلها، بينما تصبح سيناء وطنًا لهم، وبهذا يتخلصون من صداع القضية الفلسطينية، ومن عجائب مقاومة الفلسطينيين للاحتلال الصهيوني، والتي فاقت في عملية "طوفان الاقصى" - خالدة الذكر في تاريخنا المعاصر - كل خيال وحتي كل  توقع. ما الذي سيفعله أهل غزة العزل ليحموا أنفسهم وأولادهم من القصف ومن الموت ومن الدمار العنيف؟ ما الذي سيفعلونه إذا وقعوا بين فكي كماشة، العدو من الأمام والشقيق من الخلف، وهذا الشقيق يتعرض لأبشع عملية خداع هو الآخر، حتي يفقد أرضه وعرضه، ويخسرها لصالح توطين أشقاء له هم في محنة، ويتعرضون للموت، لكن خروجهم من أراضيهم يعد نكبة ثانية جديدة أفدح من نكبة ٤٨، وهذه المرة النكبة نكبتان: تهجير قسري وتوطين قسري تفقد فيه القضية الفلسطينية مقوماتها وتنتهي إلى الأبد، وتفقد فيه مصر سيناء التي لطالما كانت مطمعا لكل الغزاة ومقبرة أيضا لكل الغزاة! 

وتساءل الشربيني: ماذا يحدث في لحظة الخطر تلك ، والعدو الصهيوني يدفع مئات الآلاف أمامه للفرار نحو الأراضي المصرية، بينما الجندي المصري مطالب بأن يمنع العدوان الصهيوني الغاشم  من تحقيق هذا الهدف؟ هل يواجه الجندي المصري شقيقه الفلسطيني، فيصبح الدم العربي كله ملطخا بالعار؟ هل تقدر مصر علي دفع مثل هذه الأثمان الباهظة إنسانيا وتاريخيا وعربيا؟ أم أنها - مدفوعة بهذا الوابل العنيف من النيران ودوي القنابل ولعلعة الرصاص سوف تستجيب وتفتح معابرها وأراضيها وسيناءها لتضيع إلى الأبد من أجل حماية الأشقاء الفلسطينيين من الموت والدمار؟ 

السناوي: لا أحد يريد الحرب ..ولكن!

شغل الملتقى بمؤسسه وأركانه ورواده بسؤال اللحظة الخطرة، وما إن التقينا على مائدة الحديث مع الكاتب الكبير عبدالله السناوي (صاحب  أحاديث برقاش وهو كتاب عن أحاديثه وأبعاد صداقته للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وصاحب "أخيل جريحا"، وفيه يتحدث عن إرث جمال عبد الناصر) حتي وجدنا أن هذه اللحظة الخطرة ماثلة في كل كلمة من كلماته، وفي كل فكرة من أفكاره، فبحسب السناوي فإنها إما تؤدي إلى سقوط الضحايا بالالاف، أو إلى تهجير الآلاف المؤلفة تهجيرًا قسريًا إلى سيناء. وفي الحالتين تصفي القضية الفلسطينية وتخسر مصر سيناء إذا استجابت للضغوط وفتحت الحدود. أو أنها سوف تفتح النار علي الاشقاء لمنعهم من الوصول إلى الحدود، وقد يكلفها هذا الدخول في حرب مع إسرائيل ويتساءل السناوي: هل نحن نريد الحرب؟ ويجيب: "محدش غاوي حروب"، لكن إذا فرض علينا القتال نقاتل، مشددًا على أن إسرائيل والولايات المتحدة تدفعان منذ اللحظة الأولي لاندلاع عملية طوفان الأقصي، في اتجاه تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. هناك محاولات مستميتة من أجل هذا الهدف، واذا فشلت الجزرة (المزايا الدولارية) في تسييل لعاب الدولة المصرية المأزومة ماليا بشكل غير مسبوق، فإن العصا (الهجرة القسرية للفلسطينيين) هي الحل! حيث يلجأون إليها مدفوعين بالاحتماء من وابل النيران الكثيفة والدمار الممنهج الذي يقوم علي فكرة أن تصبح منطقة قطاع غزة غير قابلة للحياة!

خسارة سيناء عار 

يشدد عبد الله السناوي - والحديث له في ملتقى الشربيني الثقافي - على أنه لا أحد يملك في مصر القدرة على تبعات هذا القرار .. فخسارة مصر لسيناء تحت أي مسمي "عار"  لن يمحوه الزمان مطلقًا. واستذكر السناوي أن مصر في زمن عبدالناصر تعرضت لنكسة خطيرة عام ٦٧، وبينما كانت مصر تقوم بإعادة بناء الجيش، وتخوض حرب الاستنزاف، وتنتصر في معارك راس العش وشدوان، كانت المحاولات الدبلوماسية الدولية جارية للبحث عن سلام في الشرق الأوسط، فما كان من قائد عسكري  هو الجنرال الملقب بالذهبي "عبد المنعم رياض" إلا أن طلب من الرئيس عبد الناصر ألا يقبل أبدا أن تستعيد مصر أراضيها حتي ولو بدون قيد ولا شرط، قبل أن تخوض معركة رد الاعتبار لهزيمتها في عدوان يونيو ٦٧، وهو ما فسره السناوي على أن الجيش - ممثلا في رئيس أركانه الفريق رياض - لا يقبل أن يلتصق به  عار هزيمة مذلة إلى الأبد :"نساء مصر سوق يقفن للجنود علي الطرقات والنواصي أمام أبواب البيوت يعيروهم بالهزيمة"، ولو حدث هذا كما يقول السناوي لكان سقوط المجتمع أخلاقيا سقوطا مابعده قيام!

وأكمل السناوي قائلا "كل الشعوب تحارب عندما تفرض عليها الحرب، وعليها أن تقاتل إذا فرض عليها القتال، ولذا فنحن مطالبون بإظهار هذا الوجه للأعداء، لا بد أن نبين قليلا من العين الحمراء وأننا أمام خيار التهجير القسري يمكن أن يكون خيار الحرب ضد إسرائيل هو الحل.

الشربيني: هل هذا بلد يستعد لأي شيء؟

بحسب مؤسس الملتقى الكاتب الصحفي محمود الشربيني فإن مصر إذا كانت ستضطر للحرب - وهذا خيار وارد - فإن عليها الاستعداد لهذه الحرب، وهو ما لا نراه حتي الآن .. متسائلا: هل هذا بلد يستعد لأي شيء ومراكز أبحاثه معطلة وغير فعالة، وجامعاته لا تدرس المستقبل، وأبناؤه الذين يدرسون ويتعلمون ليسوا مؤهلين  للتعليم الحديث الذكي، مع أن التعليم هو الطلقة الأولي في أي معركة؟ وتساءل: هل كان هذا البلد يستعد بالفعل للانتخابات الرئاسية، فيحترم الشعب ويدلي ببيان عن حالة الامة في أزمة خطيرة كهذه؟ كان واجبا ان يتم تقديم كشف حساب إلى الأمة عن الفترة الماضية، بحيث يمكن التقدم إليها طلبا لثقتها مجددا في فترة حكم جديدة!

الكلام الذي لاينبغي أن يقال

ومثلما أخذ السناوي علي مصر انها كانت أول من قال للرئيس الاميركي السابق ترامب وقبل أن يتضح المشروع وملامحه نحن معك في صفقة القرن، فإنه أخذ أيضا علي الدولة المصرية حديثها عن مطالبة الإسرائيليين بدلا من الدفع  بالفلسطينيين إلى سيناء، إلي الدفع بهم تجاه صحراء النقب، منوها بأن هذا كلام لم يكن ينبغي قوله، لانه قد يفسر على نحو سيء،: "ابعدوا الفلسطينين إلى النقب إلى أن تنتهي حربكم مع حماس"! تحدث عبد الله السناوي - وكان غالبية الحضور من المبدعين أيضا فهم  جمهور وقوام الملتقى- عن أن النتائج الحقيقية التي أسفرت عنها الحرب ولو بأثمان فادحة جدا، هي أن القضية الفلسطينية التي ظن الاسرائيليون والأميركان والعالم كلها أنها ماتت وشبعت موتا، اشتعلت جذوتها مجددًا، وباتت من جديد القضية الرئيسية التي تواجه تحدياتها العالم اليوم، وأصبح الحديث مرة اخري مطروحا بقوة علي العالم: كيف تحل القضية الفلسطينية، منتقدا دعوة مصر الى إنشاء دولة منزوعة السلاح "مالنا نحن ومثل هذا الأمر لماذا نطالب به أو نقترحه"؟! دولة منزوعة السلاح تعني أنها "ملطشة" للاسرائيليين. ومن المهم كما يقول الكاتب الصحفي محمود الشربيني الانتباه إلى مثل هذه الآراء، فهي وإن كانت معارضة إلا أنها مطلوبة، مذكرا بجملة بليغة ومعبرة للكاتب الكبير كامل زهيري رحمه الله الذي كان يدعو سلطة الدولة إلى عدم إقصاء المعارضين من المشهد العام لانه يمكن الاستفادة من معارضتهم، فهم وطنيون وليسوا خونة لأنهم معارضون، وقال في هذا قولته الشهيرة "المعارض يشد أزر المفاوض".

شعبية التيارين العروبي والإسلامي 

السناوي تحدث ايضا عن أن هذه الحرب سيكون من نتائجها أيضا بزوغ جيل جديد مؤمن بالعروبة ومنصف للزعيم جمال عبد الناصر، كما أن التيار الاسلامي سوف يقوي وتزداد شعبيته. مشيرًا بأن التعاطف الشعبي من الشباب مع ما يحدث كان مذهلا بدليل نجاح المقاطعة للشركات المؤيدة للكيان الصهيوني والداعمة له.

انتهز السناوي فرصة أن غالبية الحضور من المبدعين فتحدث عن الأدب، وذكر أن يحيي السينوار مهندس عمليةطوفان الأقصي إنما هو أديب، وفي أثناء اعتقاله في السجون الإسرائيلية ألف رواية بعنوان "الشوك والقرنفل"، والتي يبدو من العنوان فيها تأثره بالأدب المصري، من نجيب محفوظ إلى الأمة أنور عكاشة (الشهد والدموع نموذجا) 






اعلان