20 - 06 - 2024

حرب غزة 2023.. خيارات سعودية مصيرية

حرب غزة 2023.. خيارات سعودية مصيرية

في مقال سابق، أشرت إلى أن الحرب الراهنة في غزة تضعنا أمام احتمالين للخروج من المأزق الراهن الذي تواجهه جميع الأطراف، سواء الأطراف المنخرطة مباشرة في الحرب، أو الداعمة والمساندة، أو المراقبة والمترقبة لما ستسفر عنه العمليات العسكرية، وتحدثت في مقال آخر عن التناقض الرئيسي الحاكم الآن للصراع ومآله، وأشرت إلى احتمالين أيضاً وهو إما أن تخضع التفاعلات في منطقة الشرق الأوسط في الفترة القادمة لتأثير التناقض الرئيسي بين محوري المقاومة والتطبيع، أو أن يحدث تكامل بين الطرق المختلفة لإدارة الصراع مع إسرائيل، ومستقبل العلاقات معها. في كل الاحتمالات المذكورة، تبرز السعودية كلاعب رئيسي يرجح أي من الاحتمالات سيتحقق، وسيكون للتحرك السعودي تأثير كبير على مستقبل العلاقات مع إسرائيل ومستقبل القضية الفلسطينية ونيل الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة والعادلة وتأثير تلك التسويات المحتملة وما يترتب عليها من مشروعات على مستقبل المنطقة. 

هناك عدة أسئلة مطروحة على السعودية: هل ستمضي قدماً في تطبيع العلاقات مع إسرائيل بالرغم مما حدث في غزة، دون إحراز تقدم في حل القضية الفلسطينية، أم ستزيدها الممارسات الإسرائيلية ضد المدنيين في القطاع إصراراً على موقفها الذي يربط تطبيع العلاقات بتحسين أوضاع الفلسطينيين؟ هل ستتراجع الرياض عن سياسات التطبيع القائم بحكم الأمر الواقع، أم ستواصل هذه السياسات، الأمر الذي يشجع إسرائيل الاستمرار في سياساتها التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتدمير قدرة الشعب الفلسطيني على المقاومة وتكثيف السياسات التي تستهدف تهجير الفلسطينيين، طوعاً بالتفاهم مع الدول المستعدة لاستضافتهم كلاجئين في مرحلة أولى تمهد لتوطينهم، أو قسراً بأن تفرض على الدول المجاورة السماح باستقبال الفلسطينيين الذين يفرون إليها هرباً من العدوان الإسرائيلي المسلح، بمبررات إنسانية وبدعم دولي وربما إقليمي؟ هل ستدرك النخبة القيادة السعودية أنها بالمضي قدماً في خطط التطبيع إنما تشجع قادة إسرائيل الجدد الذين يراودهم حلم إقامة مملكة داود الكبرى، بغض النظر عن مدى قابلية هذا الحلم للتحقق؟ هل ستدرك أن التطبيع مع إسرائيل وفق صيغة "السلام مقابل السلام" التي يروج لها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأحزاب اليمين، والتي قامت على أساسها الاتفاقيات الإبراهيمية، لا يشجع السلام في المنطقة، وهل تدرك أن من شأن تهجير الفلسطينيين توسيع رقعة الصراع من جديد والتهام ما بني من جسور في الطريق إلى السلام؟

الإجابة على هذه الأسئلة لا تُكتب من خلال الدراسات وتقديرات الموقف التي تُعدها مراكز الأبحاث، أو في مقال يطرحه هذا الكاتب أو ذاك، وإنما تكتب من خلال التنافس والتجاذبات بين القوى المختلفة داخل السعودية وكذلك التجاذبات بين القوى الدولية والإقليمية. لقد أصبحت السعودية وتوجهاتها موضوعاً للصراع، على المملكة ومعها. فمن يتابع تغطية قناة العربية للحرب على غزة، أو ردود تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، على منتقدي احتفالات موسم الرياض، بينما المدنيون والأطفال يذبحون في غزة، يخلص إلى أن السعودية أقرب إلى التطبيع مع إسرائيل، إذ تلقى تغطية قناة العربية إعجاب المتحيزين لإسرائيل في الإعلام الأمريكي، ومعلقي القنوات الإسرائيلية، لما في هذه التغطية من صدى للمزاعم الإسرائيلية بشأن الأحداث في غزة. وتشير هذه المواقف إلى توجه لدى قطاع في النخبة السعودية مؤيد للتطبيع غير المشروط مع إسرائيل وغير مبالٍ بما يحدث للفلسطينيين، وهو توجه مخالف للموقف المعلن من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وكبار المسؤولين في المملكة. ليس واضحا بعد أي من الاتجاهين سيفرض وجهة نظره بعد انتهاء المعارك في غزة وفي ظل التنافس الإقليمي والدولي على استمالة المملكة.

السعودية بين إيران وإسرائيل  

أشار محللون عرب وغربيون وإسرائيليون إلى أن وقف مسيرة التطبيع السعودي الإسرائيلي قد يكون من بين الأهداف الرئيسية لعملية "طوفان الأقصى"، التي جاءت في أعقاب تقارير أمريكية ودولية تتحدث عن تحقيق تقدم في شأن مفاوضات التطبيع، لاسيما بعد المقابلة التي أجرتها شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية مع الأمير محمد بن سلمان يوم 20 سبتمبر الماضي، إذ حرص ولي العهد السعودي في إجاباته على نفي تقارير أشارت إلى وقف السعودية لمفاوضات التطبيع مع إسرائيل بل وإشارته إلى حدوث تقدم من خلال قوله "في كل يوم نقترب فيه، يبدو الأمر جديّاً لأول مرة." وتأكيده أن بلاده يمكن أن تعمل مع إسرائيل، بغض النظر عمن يحكمها ووصفه صفقة التطبيع بأنها "أكبر صفقة تاريخية منذ نهاية الحرب الباردة"، إلا أنه ربط ذلك باتفاقيات تتعلق بمعاملة الفلسطينيين، مؤكداً أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للمملكة، وأن من شأن تسهيل حياة الفلسطينيين أن يجعل إسرائيل لاعباً في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب شروط أخرى تتعلق بحصول السعودية أسلحة أمريكية متقدمة وعلى مفاعلات نووية، وكان التفاوض حول هذه النقطة الأخيرة تحديداً قد حقق تقدما في ضوء تقارير أفادت الحصول على موافقة إسرائيل على مثل هذا البرنامج رغم مخاوفها، وهو تحول كبير في الموقف يدل على أهمية خطوة تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، خصوصا بعد الإعلان عن تقارب سعودي إيراني بوساطة صينية، وهو أمر يثير مخاوف لدى إسرائيل لما ينطوي عليه من تغيرات في التحالفات الإقليمية، رغم تقليل محللين إسرائيليين من أهمية مثل هذا التقارب في ضوء الانقسامات الحادة في المواقف والرؤى بين الرياض وطهران. لكن الجديد هنا هو تلميحات إيرانية بأنها لا تعارض تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، إذا اقتصر الأمر على بعض الجوانب التجارية والمشروعات الاقتصادية المرتبطة بمشروع "نيوم" السعودي، لكن من المؤكد أن إيران تعارض أي تحالف إقليمي معادي لها. 

كان على الرياض أن تمتنع عن إعلان موقفها في أعقاب عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزة، ومراقبة الوضع قبل أن تعطي إشارات بخصوص موقفها من مسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل. إن تحليل سلوك إيران ومحور المقاومة شجع الرياض، فيما يبدو، على استئناف عملية التطبيع. فقد نقل موقع "أكسيوس" الأمريكي في 31 أكتوبر عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي قوله إن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أكد لإدارة الرئيس جو بايدن أن المملكة لا تزال مهتمة بإبرام اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد انتهاء الحرب، رغم أن الرياض لم تصدر بياناً يدين الهجوم الذي شنته حماس كما أنها انتقدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. وتفيد تصريحات لاحقة صادرة عن مسؤولين سعوديين وأمريكيين باستعداد السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل لكنها أكدت، في الوقت نفسه، ضرورة إحراز تقدم في حل القضية الفلسطينية. 

من الواضح أن السعودية حريصة على تجنب إدانة حماس أو أي من قوى محور المقاومة الذي تدعمه إيران، بما في ذلك الحوثيين، الأمر الذي يشير إلى رغبتها في الاستمرار في تطبيع العلاقات مع إيران وحل الخلافات معها عبر المفاوضات، وأنها تسعى في الوقت نفسه للاستفادة من الحرب في غزة لزيادة الضغط على إسرائيل من أجل إحراز تقدم في حل المشكلة الفلسطينية، ويعكس هذا الموقف حرص الرياض على تخفيف حدة التوترات في المنطقة بما يوفر بيئة مستقرة داعمة لخطط الإصلاح الاقتصادي وتحقيق رؤية 2030 ومشروعاتها، وفي مقدمتها مشروع "نيوم"، الأمر الذي يعكس رؤية النخب الحاكمة الجديدة في دول الخليج العملية التي تركز على الاهتمام بالأوضاع الداخلية لمجتمعاتها والانخراط في مشروعات ضخمة للتنمية والتعاون الإقليمي الاقتصادي الذي يشمل دول المنطقة، ولم تغير الحرب في غزة موقف هذه النخب رغم المخاوف من أن تؤدي إطالة أمد الحرب والكارثة الإنسانية الناجمة عن العدوان على المدنيين في قطاع غزة إلى تنامي التذمر داخل مجتمعاتهم، ومن ثم يواصلون الضغط من أجل وقف الحرب في أسرع وقت ممكن.  

وتملك السعودية ودول الخليج، ومن ورائهم الاتحاد الأوروبي، ورقة ضغط أخرى تتمثل في الأموال اللازمة لإعادة الإعمار في غزة، بعد الحرب والتي تشكل تحديا كبيرا بالنسبة لإسرائيل التي دخلت الحرب دون يكون لديها تصور واضح بخصوص الترتيبات في القطاع بعد انتهاء الحرب، خصوصاً في ضوء فشلها في القضاء على حركة حماس وبنيتها العسكرية، رغم التكلفة البشرية المرتفعة ورغم ما أحدثته من دمار في قطاع غزة، وكذلك في ضوء المعارضة التي تواجهها بشكل متزايد لمواصلة الحرب لمدة أطول وكذلك المعارضة لخططها لتهجير أعداد كبيرة من فلسطيني غزة وفلسطيني الضفة الغربية إذا أمكن. من الواضح أن الشركاء في الخليج ودول الاتحاد الأوروبي يربطون مساهماتهم لإعادة إعمار غزة باستئناف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي تتطلب إحداث تغييرات سياسية لدى الطرفين كي يكون التفاوض على حل الدولتين ممكناً. ويحذر الكاتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان قادة إسرائيل من النتائج المترتبة على عدم التوصل إلى رؤية سياسية طويلة الأمد وإغراء العالم لمساعدتها في تمويل إعادة بناء غزة، الأمر الذي يحول جريمتها هناك إلى إرهاقها عسكريا واقتصاديا ومعنويا، وما قد يترتب على ذلك من تأثيرات قد تطول الولايات المتحدة ذاتها.

من الواضح أن السعودية في وضع أفضل مقارنة الأطراف الإقليمية الأخرى بما في ذلك إسرائيل، فعلى الرغم من قلق قادة إسرائيل من احتمالات التقارب السعودي الإيراني، إلا أنهم يدركون أن الاهتمام السعودي باستقرار المنطقة وتكاملها ضروري لنجاح رؤيتهم وجذب الاستثمار الأجنبي وتطوير السياحة، الأمر الذي يدفع الرياض للعمل على إصلاح علاقاتها مع قطر وتركيا وسوريا وإيران، وأن مساعي السعوديين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل تأتي في هذا السياق، ضمن صفقة كبيرة على مستوى العلاقات السعودية الأمريكية. ولا تملك إسرائيل خيارات كبيرة للتأثير على الخيارات السعودية، في ظل إحجام واشنطن عن القيام بعمل عسكري ضد إيران، وهو ما أدركته السعودية أيضاً فخلصت إلى أن من شأن الحوار مع إيران حل العديد من المشكلات الأمنية والسياسية في المنطقة، في مقدمتها الحرب في اليمن. ورغم استجابة إسرائيل للشروط السعودية لتطبيع العلاقات، فيما يخص الصفقة السعودية الكبيرة مع الولايات المتحدة التي تشمل علاقات استراتيجية وأمنية ودعم أمريكي لبرنامج نووي سعودي للأغراض السلمية إلا أن إحراز تقدم في حل المشكلة الفلسطينية، أمر صعب، على ما يبدو، في ظل التركيبة الحالية للحكومة الإسرائيلية، غير أن إحراز تقدم في تحقيق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس وما قد يترتب عليه من وجود شريك مستعد للدخول في عملية للسلام قد يزيد من الضغوط وقد يعمل لصالح تغيير الحكومة الإسرائيلية، إما بإعادة تشكيل الحكومة الحالية بزعامة نتنياهو أو بإجراء انتخابات مبكرة. 

لقد نجحت الدبلوماسية السعودية، على ما يبدو، في أن تشق لها طريقا يمكنها من التعامل مع تناقضات دولية وإقليمية، وهو الأمر الذي أبرزته الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، ومكّنها من الحفاظ على علاقة عمل متطورة مع الصين، مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بعلاقتها المتميزة مع الولايات المتحدة، وكذلك مواصلة التحرك لتطوير علاقتها مع إيران وكذلك مساعيها لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل ولكن بشرط إحراز تقدم في عملية السلام. ويرى مراقبون أن التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني قد يؤثر على قدرة إيران على استثمار حالة العداء مع إسرائيل لتعزيز محور المقاومة، وعليه فإنها ترى أن هذا الاحتمال لا يشكل مصلحة لها، ولكن فرصتها في عرقلة هذا التطور محدودة، خصوصاُ إذا توفرت له إرادة فلسطينية وإسرائيلية ودولية. وتدرك على ما يبدو أن المكاسب التي يمكن أن تجنيها من خلال العمل على ضمان عدم توسع الحرب الراهنة في غزة إلى حرب إقليمية، كبيرة نسبيا وقد تجنبها خسائر لا تقوى على تحملها. لكن من المرجح كذلك أن تبقي طهران على ورقة المقاومة وتعمل عل تعزيزها بضم حركات وقوى إقليمية إلى محور المقاومة، لكنها ستحرص في الوقت نفسه على احتواء تأثير التناقضات مع محور التطبيع الذي تقوده دول خليجية، خصوصاً إذا نجحت الضغوط السعودية في تحقيق تسوية منصفة للشعب الفلسطيني. وقد تساعد المرونة التي تبديها حماس من أجل التوصل إلى تسوية، تقلل من المواجهات العسكرية المتكررة مع إسرائيل، في التوصل لمثل هذه التسوية إذا تشكلت حكومة إسرائيلية مستعدة للدخول في مفاوضات.

موقف صلب ضد تصفية القضية

لقد أعلنت الرياض ودول خليجية أخرى رفضهم لخطة إسرائيلية تحظى بدعم غربي على إعادة توطين فلسطينيين من قطاع غزة في دول أخرى، بل إنها أشارت إلى أن أي تسوية فلسطينية إسرائيلية محتملة لا بد وأن تتطرق لملف اللاجئين الفلسطينيين، والتوصل إلى حل منصف لوضعهم. وخلافاً لموقف الإمارات والبحرين، حافظت الرياض على الحد الأدنى من الالتزام تجاه القضية الفلسطينية الذي يجعلها طرفاً مقبولا من قطاعات مختلفة من الفلسطينيين ومن معسكر المقاومة، بالتزامها بمبادرة السلام العربية، التي طرحها الملك عبد الله، العاهل السعودي الراحل في قمة بيروت في عام 2002، كأساس للتسوية. وتحظى المبادرة بتوافق عام من قبل الحكومات العربية، بما في ذلك للسلطة الفلسطينية، حتى بعد التعديلات التي أدخلت عليها في عام 2013، والتي تسمح بمبادلة للأراضي، فقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر سبتمبر الماضي، قبوله لحل للقضية الفلسطينية على أساس مبادرة السلام العربية وقرارات الأمم المتحدة. 

تشير الزيارة التي قام بها مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، للرياض قبل توجهه لإسرائيل اليوم الخميس إلى تحرك واشنطن على مسارين دبلوماسيين بمشاركة أطراف إقليمية من أجل التوصل إلى هدنة جديدة تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار ينهي الحرب الراهنة في غزة، ثم الشروع في التفكير في ترتيبات ما بعد الحرب سواء بالنسبة لغزة أو بالنسبة للقضية الفلسطينية. فمن ناحية تنخرط الولايات المتحدة في جهود الوساطة المصرية القطرية من أجل التوصل إلى هدنة جديدة تقوم على تبادل للأسرى والسعي لتمديدها لأطول مدى ممكن مما يمهد لوقف دائم لإطلاق النار، فيما تعمل مصر وقطر على تطوير موقف حماس لينسجم مع الجهود الرامية لبحث ترتيب الوضع في غزة بعد انتهاء الحرب، مع ربط هذا الترتيب بالتحرك لإيجاد حل للمشكلة الفلسطينية عبر ترتيب الداخل الفلسطيني بما يسمح بوجود مفاوض فلسطيني يحظى بشرعية تمكنه من توقيع اتفاق سلام. ومن ناحية أخرى، تعمل الولايات المتحدة على دفع التسوية الفلسطينية من خلال استئناف عملية التطبيع السعودية الإسرائيلية، وتحرص إلى الآن على الفصل بين المسارين لاعتبارات عملية تتعلق ببلورة الحوافز التي تشجع الحكومة الإسرائيلية على المضي قدما في مفاوضات السلام.

قد يكون المنطق الأمريكي في إدارة عملية السلام مفهوماً، وكذلك الموقف الإسرائيلي الذي يسعى دائماً للتعامل مع الدول العربية بشكل منفرد لتعظيم مكاسبه وخلق تناقض في المواقف العربية، تمكنه من التملص من التزاماته بموجب اتفاقية أوسلو للسلام التي وقعها مع منظمة التحرير الفلسطينية، لكن غياب التنسيق المباشر بين أطراف المسارين – السعودية من ناحية وقطر ومصر من ناحية أخرى - لا يمكن فهمه أو قبوله طالما أن هناك اتفاقاً على حل القضية الفلسطينية على أساس دولتين. وهذا التنسيق ضروري لتحقيق توازن يسمح بإحراز تقدم في المسارين، نظرا للارتباط الوثيق بين التوصل لهدنة ووقف دائم لإطلاق النار والتفكير في ترتيبات الوضع في غزة بعد انتهاء الحرب وشكل التسوية النهائي. فالتصورات الخاصة بترتيبات الوضع في غزة تتضمن تصورا لإدارة القطاع وخطة للإعمار لا يمكن للأطراف دفع تكاليفها الباهظة بدون ضمانات لعدم تكرار الحرب هناك، ولا يمكن الحصول على مثل هذه الضمانات بدون إحياء عملية السلام الإسرائيلي الفلسطيني. 

وعليه فإن التنسيق بين الأطراف الثلاثة ضروري لتشجيع الأطراف المتحاربة على التوصل لوقف دائم لإطلاق النار من ناحية، وهو ضروري أيضاً لتعزيز الموقف السعودي في مواجهة الضغوط للعودة لمحادثات التطبيع وفق الصيغة السابقة على السابع من أكتوبر، وهي صيغة لا تضمن استقرارا في المنطقة حتى لو حصلت الرياض على مكاسب مباشرة على حساب القضية الفلسطينية. فالحقيقة التي باتت مؤكدة أنه لا استقرار بدون إحراز تقدم في عملية السلام وأن السعودية تملك أوراقا كثيرة للتأثير في هذا الصدد، قد يعززها دعم الأطراف العربية المؤثرة.
--------------------------
بقلم: أشرف راضي

مقالات سابقة للكاتب عن حرب غزة

طوفان الأقصى.. علامة فارقة في الصراع مع إسرائيل

الحرب على غزة وتوسيع مبدأ تدفيع الثمن ليصبح عقيدة قتالية للجيش

وقفة مع "حرب غزة 2023" وسيناريوهات للمستقبل

حتى لو تم تدمير غزة لن تنتهي قضية فلسطين

تغيير البيئة الإقليمية للصراع | حرب غزة 2023، وإعادة ترتيب ضرورية لأوضاعنا الداخلية والإقليمية

حرب غزة 2023.. وتجديد الصهيونية | إسرائيل تنفذ عملية ممنهجة لتصفية القضية الفلسطينية

حرب غزة 2023.. حول التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية

حرب غزة 2023.. التفاعل المتسلسل الذي أوصلنا لهذا الوضع وكيف ننهيه

حرب غزة 2023.. في مواجهة الرسائل الخطيرة من قلب المعركة

حرب غزة 2023.. الحرب امتداد للسياسة إلا في غزة

حرب غزة 2023.. مفاهيم جديدة في الحرب من ميدان المعركة

مقالات اخرى للكاتب

حرب غزة 2023.. مستقبل غزة أم مستقبل فلسطين؟





اعلان