24 - 12 - 2024

من هو سليم حسن ضيف شرف معرض الكتاب؟ عالم آثار نابغة عادى القصر ولم تنصفه الثورة

من هو سليم حسن ضيف شرف معرض الكتاب؟ عالم آثار نابغة عادى القصر ولم تنصفه الثورة

ومعرض الكتاب يتجاهل في احتفاليته د. طارق فرج أهم باحث أنصفه وكتب عنه مالا يعرف أحد

كثيرون لا يعرفون عالم الآثار النبيل د. سليم حسن الذي حدده معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام ضيف شرف لهذه الدورة إلا بعمله الموسوعي "موسوعة مصر القديمة" المكون من 18 مجلدا. 

تقول مؤسسة هنداوي في تقديمه إنه "أحد أعلام المصريين في عِلم الآثار، قدَّم العديد من الدراسات الرائدة في هذا المجال، كان منها عملُه الأبرز «موسوعة مصر القديمة»، ذلك العمل الذي يتكوَّن من ثمانية عشر جزءًا، كما كان له العديد من الاكتشافات الأثرية في المنطقة المحيطة بأهرامات الجيزة، ويُلقَّب بعميد الأثريين المصريين. 

وُلد سليم حسن عام ١٨٩٣م بقريةِ ميت ناجي التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية بمصر، وقد تُوفِّي والده وهو صغير فقامت أمُّه برعايته وأصرَّت على أن يُكمِل تعليمَه. وبعد أن أنهى سليم حسن مرحلة التعليم الابتدائية والثانوية وحصل على شهادة البكالوريا عام ١٩٠٩م التحق بمدرسة المعلمين العليا، ثم اختير لإكمال دراسته بقسم الآثار الملحَق بهذه المدرسة لتفوُّقه في عِلم التاريخ، وتخرَّج فيها عام ١٩١٣م. وقد عمِل سليم حسن مُدرسًا للتاريخ بالمدارس الأميرية، ثم عُيِّن بعدها في المتحف المصري بعد ضغطٍ من الحكومة المصرية؛ حيث كانت الوظائف فيه حِكرًا على الأجانب، وهناك تتلمذ على يد العالِم الروسي «جولنسيف». 

سافر سليم حسن في بعثة إلى فرنسا عام ١٩٢٥م، والتحق بجامعة السوربون التي حصل منها على دبلومتين في اللغة والديانة المصريتين القديمتين، وحصَل على دبلوم اللغات الشرقية واللغة المصرية القديمة من الكلية الكاثوليكية، ودبلوم الآثار من كلية اللوفر. كما حصل فيما بعدُ على درجة الدكتوراه في عِلم الآثار من جامعة فيينا. 

بدأ سليم حسن عام ١٩٢٩م أعمالَ التنقيب الأثرية في منطقة الهرم لحساب جامعة القاهرة، وكان من أهم الاكتشافات التي نتجت عن هذه الأعمال مقبرة «رع ور» وهي مقبرة كبيرة وضخمة وُجد بها العديد من الآثار. واستمر حسن في أعمال التنقيب حتى عام ١٩٣٩م، ليكتشف خلال تلك الفترة حوالَي مائتَي مقبرة، بالإضافة إلى مئات القطع الأثرية والتماثيل ومراكب الشمس الحجرية للملِكَين خوفو وخفرع. 

عُيِّن سليم حسن وكيلًا عامًّا لمصلحة الآثار المصرية، ليكون أول مصري يتولى هذا المنصب، ويكون المسئول الأول عن كل آثار البلاد، وقد أعاد إلى المتحف المصري مجموعةً من القطع الأثرية كان يمتلكها الملك فؤاد، وقد حاول الملك فاروق استعادة تلك القطع، ولكن سليم حسن رفض ذلك؛ ممَّا عرَّضه لمضايقات شديدة أدَّت إلى تركه منصبه عام ١٩٤٠م. تعرض عميد الأثريين د سليم حسن لمؤامرة وعلى أثرها تم استبعاده من وظيفته فعكف على التنقيب والكشوف الأثرية وخاصة بحفائر الأهرام وأبو الهول والنوبة بالإضافة لإنتاجه العديد من المؤلفات بالعربية وغيرها، فضلا عن ترجماته لأعمال كبار المؤرخين الأجانب.

وقد استعانت الحكومة المصرية في عام ١٩٥٤م بخبرة سليم حسن الكبيرة فعيَّنته رئيسًا للبعثة التي ستُحدِّد مدى تأثير بناء السد العالي على آثار النوبة. انتُخِب سليم حسن في عام ١٩٦٠م عضوًا بالإجماع في أكاديمية نيويورك التي تضم أكثر من ١٥٠٠ عالِم من ٧٥ دولة. وانتقل سليم حسن إلى الرفيق الأعلى في الخامسة والسبعين من عمره عام ١٩٦١م".

و رغم استعانة الحكومة بخبرته في قضية تأثير السد العالى على أثار النوبة  إلا أنه لم يلق التكريم اللائق به. مؤكد كانت إرادة سليم حسن أكبر ممن أساء إليه فلم يلتفت للإساءة ولم يستبدل لغة العلم والعمل بلغة التلاسن حتى يمضى قُدما في تطوير عمله ونفسه، ولكن ربما كان في قراره نفسه يريد أن يرى تقديرا لعمله وجهوده.

 كان أفضل ما كتبه فى ذلك وتعالى به على جراحه ذلك الإهداء الراقى فى مقدمة الجزء الأول من مؤلفه القيم ( موسوعة مصر القديمة ) حيث كتب.... (إلى الذين أرادوا الإساءة إليَّ فأحسنوا وباعدوا بيني وبين الوظيفة فقرَّبوا بيني وبين الإنتاج وخدمة الوطن). 

ونشر د. طارق فرج الباحث في علم المصريات المحاضر في المعهد العالي للسياحة والفنادق بمدينة 6 أكتوبر مقتطفات من  المذكرات الشخصية للعالم سليم حسن ويقول إنه أراد من جهده العلمي أن يعرض علي الناس كيف ان مصريا من صميم الريف وقف عقبة كؤودا في وجه المطامع الاوربية من جهة ثم في وجه بعض الخونة من المصريين الذين تعاونوا مع الاجانب الذين يديرون مصلحة الاثار ودانوا لهم بالولاء من جهة اخرى. 

وفي المذكرات يقول د. طارق فرج: "تبدأ حكاية اضطهاد عالم المصريات الوطني سليم حسن منذ ان اختاره عالم الاثار احمد كمال باشا للسفر الي اوروبا  حتى ينهل من علومها ويكتب عن معاهدها العلمية ومتاحفها التاريخية ..هنالك اصاب الرجل الذهول امام قطع اثرية فريدة في متاحف المانيا وفرنسا وبريطانيا لم يسمع بها او يشاهدها احد من قبل ومن ثم بدأ يراسل الصحف المصرية ويبعث بمقالات نارية تنبع من شعوره الوطني بما كان يشاهده ويلقي باللائمة علي الحكومة المصرية ويصب جام غضبه علي المسؤولين عن الاثار في مصر الذين سمحوا بخروج تلك التحف الفريدة بل ويحرض الحكومة المصرية علي مراقبة الاجانب العاملين في اثار مصر وعدم السماح لهم بالعبث بتراثنا بعد ان اختفت قطع اثرية من داخل المتحف المصري  ...كانت مقالات نارية أججت الشعور الوطني لدي المصريين وايقظت الوعي لديهم بأهمية اثارنا القديمة ولكنها للاسف أغضبت الاجانب القائمين علي مصلحة الاثار انذاك وكان محسوبا عليهم كوكيل لمصلحة الاثار ولذلك بدأت خيوط المؤمرة تحاك بليل ضد هذا الوطني النبيل ولأخلي بينكم وبينه فيحكي لنا بكلماته ماكان يحدث يومذاك.

في تقرير رفعه لمعالي وزير المعارف حسين هيكل باشا يقول: " منذ ان عدت من اوروبا في منتصف شهر سبتمبر سنة 1938 وجدت ان جو مصلحة الاثار قد تغير عقب التقرير الذي رفعته الي معاليكم عن الاثار المفقودة من المتحف المصري وكان من اثار هذا الانقلاب ان جناب الاب دريتون ( رئيس مصلحة الاثار ) اصدر الاوامر الادارية في جهات القطر قاصدا بذلك اظهار سلطته وشل يدي عن كل الاعمال والانكى من هذا انه بدأ بمساعدة ح أ س افندي مفتش اثار القاهرة وسقارة بطلب استعلامات واوراق عن بعض مشتروات فلم اعبأ بشيئ ﻷني واثق انه ليس هناك مايدعو الي الشك في اعمال المصلحة ولاشك ان هذا من حقه ولو انه حز في نفسي وآلمني في الوقت نفسه ان يعمل ذلك سرا دون ان يطلعني عليه او يشركني معه مماجعل موظفي المصلحة صغارا وكبارا يتحدثون في هذا الامر وسبب الكثير من النقولات .

يضيف د. سليم حسن: "وقد وجدت ان واجبي كمصري مسؤول في المصلحة يحتم علي القيام بمرور عام علي بعض اثار الوجه القبلي وبلاد النوبة وقضيت في هذا المرور اكثر من اسبوعين ولما عدت وجدت او هناك مؤامرة واسعة النطاق الغرض منها التشهير بأسمي وسمعتي التي هي رأس مالي وقد اتبع في ذلك طرقا يأباها الخلق الشريف يساعده في ذلك ح أ س افندي الذي يحقد علي ﻷسباب منها انني وقفت في سبيل ترقيته الي الدرجة الخامسة وتفصيل ذلك انني سبق ان وافقت علي ترقية هذا الموظف الي تلك الدرجة ﻷني قد فهمت خطأ انه يحمل شهادة البكالوريا  واننا سنتخلص منه بعد ذلك باحالته على المعاش ..وفي اثناء غيابي بأوروبا عاد الاب دريتون وقاموا بحملتهم خفية علي ان ح أ س افندي ادرك ان دسائسهم لابد ان تكشف عند عودتي مباشرة ﻷن الاقاويل كانت منتشرة في المصلحة ولذلك بادر الاب دريتون (رئيس المصلحة) بالكتابة الي الوزارة بترقية ح أ س افندي قبل عودتي بيوم واحد لدرجة انه ارسل ساع خاص بخطاب الترقية في الساعة الواحدة ونصف بعد ظهر يوم الخميس . وكان ذلك طبعا مكافأة له علي الخدمات التي يقوم بها لجناب الاب للأضرار بي بأية وسيلة كانت. ولما عدت وجدت ان ذلك قد تم ولكني في الوقت نفسه وجدت ثورة نفسية بين كبار المفتشين والمفتشين الذين لا يزالون في الدرجة السادسة وحتي الثامنة  وجميعهم يحملون دبلومات عالية في علم الاثار وقضوا المدة القانونية للترقية بينما ح أ س افندي لايحمل اية شهادة قط وليس لديه اية مؤهلات " 

 يضيف سليم حسن في مذكراته التي أعدها ونشر مقتطفات منها د. طارق فرج: " أما الاسباب التي جعلت اﻷب دريوتون( مدير مصلحة اﻷثار) يحاربني فهي تتلخص فيمايلي: أولا- عندما عينت وكيلا لمصلحة اﻷثار كان مفهوما ضمنا ان بعد أنتهاء عقد اﻷب دريوتون سأحل محله وهاقد قرب موعد تجديد العقد فبدأ العمل مبكرا لتشويه سمعتي ويعلم الله اني لا ارغب في هذه الوظيفة ومتاعبها وان كانت من حق المصري ان يطالب بها مادام كفئا لها . 

ثانيا- ان جناب مدير مصلحة اﻷثار يعمل بكل مالديه من قوة ﻷبقاء الموظفين اﻷجانب وعدم اﻷستغناء عنهم ولو كان من بين المصريين من يستحق ان يخلفهم وذلك انه يرى انه بخروج اﻷجانب سيصبح مركزه دقيقا ولا لزوم لوجوده وهو يعلم والوزارة تعلم موقفي الصريح في هذا الامر .

 ثالثا- لقد كنت أول من نبه وزارة المعارف عن اﻷشياء الضائعة من المتحف المصري او التي أختفت نهائيا ويبلغ عددها نحو 23000 قطعة وقد حاول جنابه في عدة تقارير سرية ان يبرهن ان هذه ليست حقيقة ولكني قدمت تقريرا عن ذلك وتم اعلانه في مجلس الشيوخ ولقد كان لذلك اكبر اثر سيئ في نفوس اﻷجانب جميعا واصبحوا لايكرهون مخلوقا في مصر اكثر مني. 

رابعا- لقد كان موقفنا كلانا في اﻷعمال التي تتعلق بادارة المصلحة متضاربا فهو يرى اﻷشياء من الوجهة الاوروبية اي مصلحة الاجانب قبل كل شيئ واظهر مثال علي ذلك قسمة اﻷثار التي يستخرجها الاجانب من الحفاير التي يقومون بها في مختلف جهات القطر . وسأضرب مثلا لذلك اﻷول عندما كشف المسيو فوليانو معبد الاسرة الثانية عشرة واراد ان يستحوذ علي تمثال منقوش عليه اسم منفتاح( يقصد مرنبتاح) المعروف بفرعون موسى فوقفت في ذلك وقفة عنيفة وفي نفس الوقت أراد اﻷمريكان في قسمة اﻷثار التي أستخرجوها ان يستولوا علي لوحة فريدة في بابها لرعمسيس الثاني فعارضت أيضا وذهبت لمعالي الوزير ( حسين هيكل باشا Fayza Haikal) سرا واخبرته بحقيقة الحال ففهم مقصدي ووافق علي رأيي وبقى التمثال واللوحة في مصر ولا أبالغ انهما يقدران علي أقل تقدير بنحو 20000 (عشرون الف) جنيها [ وهذا تقدير فترة الثلاثينات بالطبع ] وعلي اثر ذلك اصدر معالي الوزير قرارا بان كل قسمة يجب ان يعرضها علي معاليه وكيل المصلحة ( اي شخصي) لا مديرها ( اﻷجنبي ). 

خامسا- اراد جناب اﻷب ( مدير مصلحة الاثار ) ان يستعمل سلاحا اخر عنصريا ضدي مستعينا بذلك علي اﻷغلبية الساحقة من الموظفين اﻷقباط في المصلحة ولو ان بعضهم وقف موقفا مشرفا ﻷنهم يعلمون اني لا احب ان ادخل في تلك المغامرات الدنيئة ﻷننا كلنا مصريون قبل كل شيئ ولذلك كان يلتجئ الي من يري فيه الانحطاط من هذه الناحية. 

سادسا- لما وصل الي علم الادارة العامة خبر ضياع سبعة قطع ونبه المبلغ الي الاماكن التي سرقت منها قام الموظفون اﻷفرنج بالمتحف يقولون ان هذه نكاية دبرها المصريون وان هذه اﻷشياء نقلت من أماكنها فقط الي مكان اخر بالمتحف فأردنا القيام بالجرد فعارض في ذلك امين المتحف (الاجنبي) وجناب المدير واعتذروا بان ذلك يحتاج الي وقت طويل وماذلك الا خوفا من اكتشاف ضياع أشياء اخرى . 

واخيرا صمم حضرة صاحب المعالي بهي الدبن بركات باشا علي عمل جرد سريع وهو يعلم تمام العلم بالمقاومة التي لاقيناها في تنفيذ امره هذا. ولما أسفر الجرد ان هناك اكثر من سبعة قطع بل مايزيد عن الثلاثين قطعة ثارت ثائرة اﻷجانب وحقدوا علي وكيل المصلحة (اي شخصي) ظنا منهم انه هو الذي ينشر عنهم كل هذه الفضائح وبخاصة عندما بلغ صاحب المعالي هيكل باشا ان هناك اكثر من 23000 قطعة فاقدة من المتحف المصري وهي التي لايزال جناب المدير يقول انها خرافة ويبرهن علي ذلك بأسلوبه الانشائي في تقاريره السرية".

وفي بوست مرير كتبه د. طارق فرج على صفحته بالفيس بوك بمناسبة الاحتفال بشخص العلامة الكبير سليم حسن يقول: "أعكف منذ فترة على تدوين كتاب عن عالم المصريات سليم حسن وكنت قد سجلت فيلما وثائقيا عنه في مدينة الانتاج الاعلامي العام الماضي تحدثت فيه عن أسرار تروى للمرة الاولى وفقا لوثائق نادرة وأوراقه الخاصة في حوزتي وللاسف لم يعرض الفيلم حتى الآن، ثم كتبت عدة مقالات عنه على صفحتى هنا العام الماضي أيضا سردت فيها بعض خصوصياته التي لايعرفها احد وهي امور تتعلق بوطنيته وصراعه مع الأجانب وعداء السراي له ووقوف بعض الوزراء الوطنيين الى جواره ومساندته ثم أجواء المؤمرات والحقد من زملائه آنذاك الخ الخ.. ثم قدمت حلقة تليفزيونية عنه ايضا وافضت في الحديث عن أمور أخرى تتعلق به.... واليوم تأتي مناسبة كبرى هو الاحتفال بشخص هذا العلامة الكبير في معرض الكتاب الدولي ولا يفكر احد من المسؤولين ممن تصورنا انهم على قدر من الوعي والادراك  عن ادارة الندوات الثقافية بمعرض الكتاب في توجيه الدعوة لي كي افيد جمهور المعرض بمعلومات ربما لم يسمع بها من قبل.. لا ابغي من وراء ذلك الا النفع وزكاة العلم.. حقيقي انا حزين وتأكد لي ان الشللية البغيضة قد تغلغلت وافسدت مستقبل الثقافة في مصر وان حماتها هم ابعد الناس عن مفهومها الدقيق الذي يسمو ويعلو عن مرادها الشريف".

هل تلتفت وزيرة الثقافة والمسؤولون عن المعرض إلى هذا الخطأ وتتداركه بدعوة واحد من أهم من كتبوا عن د. سليم حسن؟