30 - 06 - 2024

مخطوطة ناقصة لرواية ساخرة | ثنائية الثنائي: بنيامين نيتانياهو

مخطوطة ناقصة لرواية ساخرة | ثنائية الثنائي: بنيامين نيتانياهو

[أوحى لي بفكرة هذا المقال إعلان لصحيفة هآرتس الإسرائيلية نشر قبل عدة سنوات عن تخصيص صفحة جديدة أسمتها " الساحة: صفحة آراء ثنائية اللغة " لنشر كتابات عربية مترجمة إلى العبرية والعكس]  

قبل أسابيع كنت أتجول بين بسطات لبيع الكتب القديمة؛ قريبة من مقام السيدة زينب. الباعة الذين يعملون في هذه المهنة يعتمدون في جمعها على مصادر عديدة؛ منها من يسمون بالسّرّيحة الذين يسرحون نهار اليوم يشترون الأشياء التي يستغني عنها أصحاب المنازل؛ زاعقين عادة بصوت ممدود "روبابيكيا" – يختصرونها أحيانا إلى "بيكيا" – وهو تعبير إيطالي يعني الملابس أو الأشياء القديمة تصرّف فيه المصريون. أمام واحدة من تلك البسطات وقعت مساومة حادة بين صاحبها وسرّيح مشاكس؛ ادعى أن بضاعته كنز ثمين؛ كونها تعود إلى رجل معروف يعمل في مجال الأدب والسياسة. اتجهت عيناي بتلقائية إلى بضاعة الرجل؛ فإذا فيها مندسة مخطوطة حديثة معنونة " ثنائية الثنائي "؛ قرأت فيها ما يلي:   

بداية مقترحة لرواية طويلة عاجلة   

- بنيامين؟ حطّ في بطنه بطيخة صيفي ونام! 

اندهش بنيامين وهو يسمع سارة تحكي بالعربية، وبتعبير غير مفهوم له، وهي تكاد تفطس من الضحك! استوضح منها المسألة مستنكرا لتمهله لحظات؛ حتى تودع صديقتها العربية التي تعرفت إليها في واحد من مراكز الصحة النفسية المهتمة برعايتها؛ بصفتها السيدة الأولى. ألح عليها واستعجلها؛ فأغلقت هاتفها قائلة "مِشي حبيبتي! سَلَم". على الإطلاق هو لا يفهم معنى أن يحطّ في بطنه بطيخة صيفي وينام!! وهو الذي كان يتلقى مضطرا دروسا مزعجة في العربية أينما حل؛ حتى أيام الخدمة الإجبارية في الجيش. وليس هذا فحسب! إنها تودعها قائلة سلام وليس شالوم! هكذا بالعربية!! انتفخت أوداجه، وجحظت عيناه؛ فألقى بنفسه على كرسيّهِ المفضل في التراس؛ على اليمين قريبا من المدفأة؛ لتتهادى أمامه معلقة بغير اكتراث "لقد استوقفني أنا أيضا، وأخبرني "أفيحاي" بأنه كناية عن الاطمئنان للوضع". 

بداية أخرى مقترحة للرواية 

- بنيامين حطّ في بطنه بطيخة صيفي ونام؟! 

- أأنت تنام يا بنيامين؟

- أنام!! أنا "لا أنام"!! 

يحادث بنيامين نفسه في سريرته مرة بضمير الغائب وأخرى بضمير المخاطب وثالثة بضمير المتكلم!! وهو يرمي برأسه المتعب فوق مخدته الحانية المكسوّة بلباس وردي – لونه المحبب. من الفور يعود بذاكرته إلى تجربة تعلم العربية في أكاديمية خاصة للعلاقات العامة في الولايات المتحدة؛ ضمن دروس استكمالية عنونت "تعبيرات عربية من البيئة المعاشة يصعب فهم مغزاها". وقد أعطاه واحد من المحاضرين فيها من أصول مصرية رواية لأديب مشهور يدعى "قُدّوس" على ما يذكر، ليرقّي قدرته على فهم المجازات العربية، وكانت تحمل هذا الاسم: "لا أنام".

بداية ثالثة مقترحة لأن البداية السابقة قد يعترض عليها الرقيب 

- بنيامين حطّ في بطنه بطيخة صيفي ونام! 

- لا ... لم ينَم ... لقد أغمض عينا وترك الأخرى مفتوحة على كل الاحتمالات! 

يتندر الرفاق في دوائر الحزب العميقة: لقد بات أشبه بذئاب البوادي! ويتساءل المتعاطفون معه كيف ينام وأعداء الدولة يتربصون بها من كل اتجاه؛ في الداخل و الخارج؟! 

كانت شمس السبت الدافئة تلقى أشعة الوداع على نوافذ الكنيست؛ حيث يجلس بنيامين في مكتبه الذي وصله خلسة؛ خوفا من انتقادات الحريديم من حلفائه المخلصين؛ ليتابع بعض المسائل المعلقة؛ وليستغرق في فهم بعض من تأملات توماس هوبز عن الدولة / الوَحْش. لكَمْ أحب هذا العملاق الذي شكل الجانب الأساس في تكوينه الفكري والسياسي!! حتى تمكن من جعل جميع أطفال الشعب يتمثلون وحشا كاسرا حال ذكر أمامهم هذا اللفظ: الدولة، وبرع في تطويعه لكل الاحتياجات بدءا بتصفية قضية الشعب الآخر؛ مرورا بإبطال تأثير الصوت العربي في المنافسات الانتخابية؛ ليثبّت بعدها هذا الواقع في كل المناحي عبر قانون يهودية الدولة. 

بينما كان يطالع صفحات من تراث الرجل؛ يتبلغ حرفيا وفوريا بمجادلات الرفاق؛ فيأنف مما يجري داخل حزبه المتماسك! ويقرر الحصول على تعهد منهم بعدم استبداله بعد الانتخابات كمرشح لرئاسة الحكومة. 

في طريق الخروج من مبنى الكنيست لتلبية دعوة على عشاء السبت من صديقه الحميم مودي فريدمان؛ يمر بمكتب لنائب عربي؛ فتتسلل إلى مسامعه تجليات غنائية لفايزة أحمد تشدو "أحبه كثيرا"! يتغمده شعور بالاشمئزاز؛ يترجمه انزعاج حارسه الشخصي الذي يدعو النائب إلى تبطيل الصوت؛ حتى يعبر بنيامين الممر، وقد كان منفعلا بما يكفي ويفيض؛ لإشعاره بأن العشاء سيكون من الأطعمة العربية التي لا يستسيغها؛ بل قلْ لا تنزل له من زور!       

يتساءل بنيامين في نفسه وهو يأخذ باب السيارة بيده بمنتهى العنف؛ مطيحا معه بالإجراءات الأمنية المتبعة: لماذا يذكّره كل ما حوله وكل من حوله بأنه يعيش في محيط عربي مستهجن من جانبه؟ ما الذي يتعين عليه أن يفعل أكثر مما فعل ليجفف هذا المحيط الذي يكرهه لا يحبه لا يطيقه يمقته؟ 

كانت شخصية بنيامين تجسد – على نحو مذهل – فكرة أو مفهوم الازدواج / الثنائية؛ بكل أبعادها ومضامينها؛ حتى إنه كان قد اشتُهر بين أقرانه في التعليم الأولي ب "الثنائي"

تتوقف المخطوطة عند هذه الكلمة: " الثنائي " ويبدأ واضعها في كتابة أفكار متسارعة غير منقحة خشية نسيانها على الأرجح على الطريقة المعتادة لبعض الكتّاب.   

بنيامين يكون البطل الأوحد للرواية والشخوص الآخرون هامشيون بمن فيهم سارة. 

سأحاول إقناع الناشر بأن يكون الغلاف مجرد رسم لوَحْش هائل يقبع بنيامين في داخله وقد أخرج لسانه للرائي، وبحيث يكون من اللونين الأزرق والأبيض فقط؛ ربما ينجح في الحصول على تمويل مناسب من تكتل كحول – لافان المنافس. 

يتوالى السرد في الفصل أو المشهد الختامي على وقع عملية التصويت في انتخابات الكنيست الجديدة المتوقع إجراؤها في خريف 2024، ولذلك؛ يتعين الانتهاء من الرواية وطباعتها سريعا        

التيمة الأساسية التي سألعب عليها هي شخصيته الثنائية، ومن خلال ذلك يمكن ابتداع مواقف خفيفة الظل وساخرة ليتقبل القارئ العربي رواية عن بنيامين الذي يكرهه؛ فالكراهية تكون متبادلة دائما مثلما يعلمنا موليش.  

سأخصص فصلا من الرواية لوقائع أول زيارة قام بها بنيامين لغزة بعد الاجتياح البري لها، مع التركيز على الحفاوة التي استقبل بها من جنوده الشجعان الذين كالوا له الشتائم (بدون أن أذكرها بالطبع)، وحرصه على التأكد من التزامهم بارتداء قبعات "المتزنفيت"، وواقيات الأعين، وسترات الصدر الواقية، وقفازات الأيدي، والحفاظات السفلية. 

سأقترح على الناشر أيضا ترجمة الرواية سريعا إلى اللغة الفارسية قبل أن تنطلق الحرب "المباركة " المرتقبة على إيران 

[هنا يضع الكاتب برسم يده وجوها ضاحكة متنوعة الأشكال على غرار ما نستخدمها في وسائط التواصل الاجتماعي] 

سوف تتابع الرواية بالطبع سيرة بنيامين منذ طفولته المبكرة بما في ذلك علاقته بأبيه – معلمه المتدين، وعدم قدرته على كتم كراهيته للآخرين، و ضمن ذلك أستحضر بالطبع واقعة هجومه المشين على شارون في مراسم تأبينه (ثنائية يميني قومي / ديني). 

سأعطي السرد طابعا إنسانيا عامّا مع الإحاطة بمختلف أبعاد المفهوم (الثنائية) في شخصية بنيامين لعل الرواية تنافس على جائزة البوكر العربية   

يتبع الكاتب هذه القائمة بقائمة مشتروات ومهامّ يظهر أن زوجته أملتها عليه - وهو جالس إلى مكتبه يكتب في البيت – ويرجح ذلك التعديلات الكثيرة والجوهرية التي جرت عليها و بثرات من الرذاذ العالقة بالأوراق في هذا الموضع بالذات!  

بعد فارق كبير في ترقيم الصفحات تعود المخطوطة إلى الكتابة الروائية المسترسلة فيما يبدو أنه ترجمة للحظات من الإبداع المتوهج وهي تشتمل - للأسف - على ثلاث فقرات من النهاية التي تصورها الكاتب لروايته 

عند منتصف ليلة السابع عشر من سبتمبر تقريبا؛ بدأت تتجمع تباعا نتائج انتخابات الكنيست السادسة والعشرين، ومعها بدأت الصدمات تتجمع فوق الرؤوس، ودخلت الميديا في سباق مهووس لشرح ما يجري. التفسيرات بدورها تتجمع حول تغيير غير مسبوق في اتجاهات الناخبين، ومعها يتشفى في بنيامين – ورفاقه المخلصين الذين حمّلوه مسئولية الفشل في تعليقات فورية غاضبة، وفي مقدمتهم جالانت وبن جبير – أصحاب الميول اليسارية الذين لوثت حكومات الدولة / الوَحْش سمعتهم على مدار سنوات احتل بنيامين فيها قمتها. لقد تمكن منه تكتل الجنرالات الذي يريد الذهاب بالدولة إلى حرب على كل الجبهات وصولا إلى هرمز! طبقا للدعاية السوداء التي تروجها الميليشيا الإيديولوجية الليكودية، حتى باراك الذي يدعمهم من الخارج؛ استقطع منه أصواتا مؤثرة! و لم تشفع له صورته الضخمة المعلقة فوق البناية مع الصديق بوتين؛ فاتجهت غالبية أصوات الروس إلى غريمه أفيجدور المتحالف ضمنا مع الجنرالات ؛ برفضه لقانون إعفاء المتدينين من التجنيد ، ولا الصورة التي تم استدعاؤها من الأرشيف لعمير وهو يضع النظارة المعظمة فوق عينيه بوضعية مخالفة؛ بهدف شفط حصة كبيرة من أصوات المغاربة التي يفترض أن تذهب إلى العمل المترنح، ولا حتى صورته هو الحميمة مع عواقل الدروز والزعامات المحلية في الوسط العربي الذي حرمه بتصويت مُجرّب ومكثف الأفضلية لتشكيل حكومة جديدة ، و أعطاها للجنرالات المخضرمين في هيئة عمليات كحول – لافان الذين يملكون وعيا كافيا بأهمية الحفاظ على وحدة الدولة و ديمقراطيتها.  

مخيلته لا تعبأ بالحقائق المفردة، وهو المغرم بالتأملات الثنائية التي تحفزها ذاكرة قوية يصارع بها الجميع؛ بمن فيهم المحققون! تمر الآن على شريطها المثقل ثنائية رابين – بيريز؛ فكلاهما استخدم البطيخ (كناية عن الصوت العربي وألوان العلم الفلسطيني) في معاركه الانتخابية؛ بدون أن يعرف أنه يطوّس في الخريف. يتعجب بنيامين! لتداهمه ثنائية سلمان الكبير – روحاني يتعانقان في مكة على خلفية الأذان الذي منعه قانونه العلماني! وهي ثنائية تكرر نفسها مع سلمان الصغير ورئيسي. يهمس "مجرد تصورات! لا تزال الفرصة سانحة لنأكل من لحم إيران المشويّ فوق عيدان المستكة الجبلية ... لقد وعدني"؛ لتفجعه ثنائية بايدن – بلينكن؛ فيسائل نفسه بمرارة "لقد منحاك ومنعاك كل شيء في آن؛ حتى قدرتك على الردع ... ألم تضرب في كل اتجاه لتستحوذ على الأصوات؟ والنتيجة؟ بددها هؤلاء ... قفزوا من فوقها على فرس أبجر فاق سواده سواد فحم سيبيريا ". تسلمه تأملاته إلى ثنائية بوتين – بشار التي تكايده؛ فيزدريها حانقا! 

عاد بنيامين إلى منزله فجرا؛ بعد يوم شاق من أيام أيلول التي حافظ كسابقيه على تسويدها في وجه العرب؛ يوم عصيب انتهى به إلى مأساة لم يكن يتوقعها؛ فخرج عن جميع أطواره المعتادة ذوات الطابع الثنائي؛ بما في ذلك حديثه الدائم بلغة ثنائية تجمع غالبا بين العبرية والإنجليزية، ونادرا – وعند الضرورة القصوى – بين العبرية والعربية. ألقى بجسده فوق مقعده الأثير ... تفجرت لديه رغبة مجنونة في تشغيل المدفأة إذ شعر ببرد شديد غير مسبوق في هذا التوقيت من السنة؛ تسري معه في بدنه المهدود قشعريرة مدمرة؛ كأنه يعتلي سطح غواصة في قلب الليل متشبها بصديقه الروسي! وجد نفسه يتكلم بالإنجليزية دون غيرها!! وبها استدعى خادمه الذي لم يقرر بعد أن يصبح شاهدا ملكيا اتباعا لمدير مكتبه السابق آري هارو! ليشعل الوقود. حال الخادم أنه متألم لحال سيده! لذلك؛ استجاب لطلبه الشاذ بسرعة لافتة، وزاد عليه بإعداد كأس من النبيذ الفرنسي المعتق، تناولها بنيامين من يده بعفوية، وبها أيضا أشعل سيكارا كوبيا فاخرا. انتبه إلى المصير الذي يحتمل أن يواجهه قريبا!! فتذكر سارة العزيزة!! نادى عليها محتدا بالإنجليزية؛ لتطل عليه من ردهة المنزل فوق أذنها هاتفها؛ تتحدث بصوت بهيج مع صديقة عربية أخرى تعرفت إليها في أتيليه لعروض الأزياء النابلسية حضرته في الصباح؛ بعد أن أخذت اللقطة مع بنيامين في اللجنة الانتخابية. أشارت إليه بأصابع كفّها اليمنى؛ بما يعني اِهدأ وتريث، وأضافت بالعربية للتأكيد "دَكيكة شويّ"؛ فتجرع قدرا من النبيذ، وابتلع عليه ريقه، وفرك كفّ يده اليسرى على عادته عندما يتوتر، واستغرق في تأملاته التي قطعتها سارة قاطعة الممشى أمامه وهي تقول لمحدثتها بالعربية: "مِشي حبيبتي! سَلَم " مواصلة السير باتجاه الحديقة الملحقة بالمنزل؛ مخاطبة بنيامين بعربيتها التي تحسنت كثيرا: " بيبي ... دير بالك ع حالك بكير يا زلمي ... أنا ما بحضر مراسم ولا إشي ... فيش وكت لهالحكي!! بدي شارك بندوة في الطيبة عن الصحة النفسية لنزلاء السجون الجدد والجنود العائدين من غزة"؛ لتختم "ليخ لِيشون آهوفي" (روح نام يا حبيبي)"!!  

– تمت –

ملاحظة أخيرة يتعين أن أعود إليها   

مع هذه النهاية غير المنقحة قد تكون المقدمة الأولى المقترحة هي الأنسب لاستهلال الرواية. 
------------------------------
بقلم - عبد المجيد إبراهيم 

مقالات اخرى للكاتب

في مناسبة عيد الإعلاميين ( 5 ) :





اعلان