26 - 09 - 2024

دولة الاحتلال مخيرة بين الركوع و "تايتانيك"

دولة الاحتلال مخيرة بين الركوع و

بعد 203 أيام حرب كسر الإرادة لم تفلح والمقاومة لا تنهزم 
- يوفال نوح هراري.. أحد أهم المفكرين في إسرائيل: غطرستنا ورغبتنا في الانتقام ستلحق بنا كارثة تاريخية
- الجنرال المتقاعد اسحق بريك: على الإسرائيليين التخلص من هذه القيادة التي تقودهم وتضعهم على متن سفينة تايتانيك إسرائيلية.
- السفير الفرنسي السابق في تل أبيب: إسرائيل لم تحقق أياً من أهدافها و حرب ٧ أكتوبر هي أكبر هزيمة استراتيجية في تاريخ إسرائيل
- بن كسبيت : أصبحنا مشابهين جداً لشمشون في أشياء كثيرة – الغطرسة، والعمى، والانتقام، والانتحار – لدرجة أنه من المخيف جداً أن نتذكر البطل المتعجرف!

وقت كتابة هذا التقرير يكون قد مر على بدء أعنف عدوان همجي تشنه دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ إنشائها مئتين وثلاثة أيام، عربيا تختلف قراءة النتائج ، هناك من يرى في الصمود الأسطوري لأهلنا في غزة إحياء لقضية فلسطين ووضعها على أجندة العالم كله رغما عن أنفه رغم الخذلان العربي والإسلامي الجماعي وأن النصر صبر ساعة، وآخرون لا يرون منها إلا مشاهد الدمار وجثث الضحايا وأنات الجرحي والمتضورين جوعا ويتهمون حماس وفصائل المقاومة بأنها سبب كل المصائب ، متعامين عن حقيقة أن المأساة الفلسطينية مستمرة منذ أكثر من 76 عاما وأن أجيالا كاملة دفعت أثمانا وسطرت بطولات لابد من أن يأتي يوم لحصد ثمارها، وأن حماس لم تفعل غير ممارسة حق طبيعي تقره كل المواثيق الدولية في مواجهة احتلال تجاوز النازية والفاشية بمراحل.

لكن ماذا عن الجانب الآخر وكيف يقيم نتائج ماحدث؟

بداية وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت وصل إجمالي خسائر جيش الاحتلال الإسرائيلي لـ73 مليار دولار، منذ بداية الحرب على قطاع غزة، بحوالي 270 مليون دولار خسائر يومية بسبب الإنفاق العسكري، ورغم التعتيم لم يجد جيش الاحتلال بدا من الاعتراف بجزء من الخسائرفأعلن سقوط 604 من جنود وجنود الاحتياط وضباط الأمن المحليين، وإصابة 3 آلاف و193 آخرين منذ 7 أكتوبر. ومن بين هؤلاء 260 جندياً لقوا حتفهم وأصيب 1552 خلال العمليات البرية في غزة.

وحسب مسؤولين أميركيين فعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدتها حماس، فإن الكثير من قياداتها العليا في غزة لا تزال في مكانها، مختبئة في شبكة واسعة تحت الأرض من الأنفاق ومراكز العمليات، وهي صاحبة القرار في مفاوضات الرهائن. وهذه الأنفاق ستسمح لحماس بالبقاء وإعادة تشكيل نفسها بمجرد توقف القتال.  يقول دوجلاس لندن، وهو موظف متقاعد في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بعدما قضى ٣٤ عاما فيها: "إن المقاومة الفلسطينية لإسرائيل، والتي تتجلى في حماس والجماعات المسلحة الأخرى، هي فكرة بقدر ما هي مجموعة مادية وملموسة من الناس.. وعلى الرغم من الضرر الكبير الذي قد تلحقه إسرائيل بحماس، إلا أنها لا تزال تتمتع بالقدرة والمرونة والتمويل وطابور طويل من الأشخاص المرجح أن ينتظروا التسجيل والانضمام بعد كل القتال وكل الدمار وكل الخسائر في الأرواح".

وفي تقييم استخباراتي سنوي صدر في مارس الماضي، تبدي وكالات التجسس الأمريكية شكوكها في قدرة إسرائيل على تدمير حماس حقًا، وقالت: "من المحتمل أن تواجه إسرائيل مقاومة مسلحة مستمرة من حماس لسنوات قادمة، وسيكافح الجيش من أجل تحييد البنية التحتية تحت الأرض لحماس، والتي تسمح للمقاتلين بالاختباء واستعادة قوتهم ومفاجأة القوات الإسرائيلية".

نتكبد هزيمة تاريخية

يوفال نوح هراري، أحد أهم المفكرين في إسرائيل يكتب في مقال: "في حال لم نسارع إلى إحداث تحول درامتيكي على مسار سلوكنا، فأن غطرستنا واستلابنا للانتقام كما يحدث في غزة ستفضي إلى تكبدنا هزيمة تاريخية" فـ "بعد ستة أشهر من الحرب على غزة، لم نعد الأسرى ولم نلحق هزيمة بحماس، ما حدث هو أن إسرائيل تحولت إلى دولة منبوذة في العالم بسبب ما تفعله في غزة...نحن لا نملك الموارد حتى نتمكن من البقاء في ظل مقاطعة العالم لنا.. فالخيار المتاح أمامنا أن نتحول – وفق السيناريو الأكثر تفاؤلا - إلى نسخة شرق أوسطية من كوريا الشمالية". 

ويتساءل هراري: “حتى متى تستطيع إسرائيل الاعتماد في بقائها وفي حروبها على دعم الغرب ودول عربية! وكم من الوقت تستطيع أن تبقى دولة منبوذة؟.. "فالذين اعتادوا على إمكانية حرق بلدة فلسطينية انتقاماً لقتل إسرائيليين اثنين يرون إمكانية تدمير كل القطاع انتقاماً للسابع من أكتوبر أمراً مفروغاً منه"

يضيف يوفال نوح هراري: "إسرائيل تواجه هزيمة تاريخية، وهي الثمرة المرة لسنوات من السياسات الكارثية. إذا أعطت الآن الأولوية للانتقام على حساب مصالحها الخاصة، فإنها ستعرض نفسها والمنطقة بأكملها لخطر جسيم. وفي الأيام المقبلة، يتعين على إسرائيل أن تتخذ قرارات سياسية تاريخية، يمكن أن تشكل مصيرها ومصير المنطقة بأكملها لأجيال قادمة. ولسوء الحظ، أثبت بنيامين نتنياهو وشركاؤه السياسيون مرارا وتكرارا أنهم غير مؤهلين لاتخاذ مثل هذه القرارات. إن السياسات التي اتبعوها لسنوات عديدة دفعت إسرائيل إلى حافة الدمار. وحتى الآن، لم يبدوا أي ندم على أخطائهم الماضية، ولم يظهروا أي ميل لتغيير الاتجاه. وإذا استمروا في تشكيل السياسة، فإنهم سوف يقودوننا والشرق الأوسط برمته إلى الهلاك".

ويتابع قائلا: "هناك معيار رئيسي واحد يمكن من خلاله قياس النجاح في الحرب: هل تم تحقيق الأهداف السياسية؟ في أعقاب عملية  7 أكتوبر، كانت إسرائيل في حاجة إلى تحرير الرهائن ونزع سلاح حماس. لكن حكومة نتنياهو تجاهلت كل هذه الأهداف، وركزت بدلا من ذلك على الانتقام. فقد فشلت في تأمين إطلاق سراح كافة الرهائن، ولم تنزع سلاح حماس. والأسوأ من ذلك أنها تسببت عمداً في إلحاق كارثة إنسانية بحياة 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة، وبهذا تقويض الأساس الأخلاقي والجغرافي السياسي لوجود إسرائيل". "فبعد ستة أشهر من الحرب، ما زال العديد من الرهائن في الأسر، وما زالت حماس واقفة على قدميها، ولكن قطاع غزة مدمر، وقد قُتل عدة آلاف من أهله، وأصبح أغلب سكانه الآن لاجئين يعانون الجوع. ومع غزة، فقد أصبحت مكانة إسرائيل الدولية في حالة خراب أيضاً".

فخ التاريخ

وفي كتابه "إسرائيل فخ التاريخ" تحدث جيرار أرو الدبلوماسي والسفير الفرنسي السابق لدى تل أبيب عن الحرب الأطول والأكثر دموية في تاريخ الكيان الصهيوني، وأكد أن إسرائيل لم تحقق أياً من أهدافها الأساسية، مثل إطلاق سراح الرهائن وتدمير حماس عسكريًا والقضاء على قادتها، وضمان أمن الحدود الجنوبية والشمالية لكيان الاحتلال. و أن حرب ٧ أكتوبر هي أكبر هزيمة استراتيجية في تاريخ إسرائيل، وهذه الهزيمة تهدد وجود الكيان الصهيوني. وأوضح أن هذا الهجوم كسر عقيدة المناعة اللاقهرية لكيان الاحتلال، وأصبح من الصعب استعادة مصداقيته، حيث تأثر أمنه الأساسي وفقد قدرته على الردع.

ويزيد مسؤول أميركي لتايمز أوف إسرائيل على كلام السفير الفرنسي قائلا: "لن يقوم أحد في المنطقة بإنقاذ إسرائيل في غزة إذا لم يكن ذلك في سياق مبادرة دبلوماسية تحاول واشنطن الترويج لها، ولا يمكنك هزيمة حماس فقط من خلال الوسائل العسكرية"، كما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين إسرائيليين قولهم: "إن هزيمة حماس ستستغرق سنوات" وهذا إعلان مبطن بالهزيمة.

أما الكاتب الإسرائيلي "آلون مزراحي" فكان أكثر صراحة ووضوحا حيث قال: "حركة حماس غيرت التاريخ إلى الأبد، فهي لم تهزم إسرائيل فحسب، بل هزمت الغرب بأكمله ، لقد أكسبت حماس القضية الفلسطينية قلوبا من جميع أنحاء العالم، واحتفظت الحركة بكل أسير أسرته تقريبا قبل 6 شهور، ولم تستسلم لأية ضغوطات".

يضفي المصداقية على ماسبق دعوة وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير الأربعاء (24/4)، إلى حل كابينيت الحرب الإسرائيلي في ظل فشله في إدارة الحرب على قطاع غزة والمواجهات الحدودية المتصاعدة مع "حزب الله". يقول بن غفير في منشور على حسابه في منصة "إكس" أعلن فيه غيظه من "صور الآلاف وهم يستحمون على شاطئ البحر في قطاع غزة"، ويضيف:"حان الوقت لتفكيك كابينيت الهزيمة وإيقاف سياسة الاحتواء والتعقل وأن نظهر لأعدائنا أن صاحب البيت قد جن جنونه. طالما استمرت السياسة الحالية لكابينيت الهزيمة، فإن النصر المطلق سيصبح بعيد المنال أكثر فأكثر".

أما الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك فطالب إسرائيل الاعتراف بالهزيمة، وقال: يجب أن نسحب قواتنا من غزة لأنه من المستحيل هزيمة كل قوى المقاومة في القطاع. والاستيلاء على رفح "لن يساعدنا" 

ويقول بريك، في مقال نشرته صحيفة “معاريف”، إنه على إسرائيل الإعلان عن وقف الحرب، فقد خسرتها، وسبق أن سحبت قواتها منها، ولا توجد لديها القدرة على إبادتهم نهائياً، ويتابع: “عليكم الاعتراف بالحقيقة بأننا خسرنا هذه الحرب، مثلما أنه على الإسرائيليين بذل الجهود للتخلص من هذه القيادة التي تقودهم وتضعهم على متن سفينة تايتانيك إسرائيلية”.

وحسب مايراه رون بن يشاي خبير الشؤون الأمنية والاستراتيجية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الإسرائليون "عالقون" ووصلوا في هذه الحرب إلى باب موصود استراتيجياً"، ويضيف: "إسرائيل مجبَرة على التنازل عن موقفها المتصلب تجاه القضية الفلسطينية والتجاوب مع المطلب الأمريكي. فمن دون التعاون الاستراتيجي مع إدارة الرئيس جو بايدن، فإننا لن نظل عالقين في طريق دون مخرج فحسب، بل إننا سننهي الحرب بهزيمة".

ويضيف رون بن يشاي "إن الفصح اليهودي، هذا العام، هو أحد الأعياد المصيرية في تاريخ إسرائيل، فهي تجد نفسها في ذروة حرب وجودية متعددة الجبهات، وفي الوقت نفسه، عالقة ومتعثرة، وتواجه طريقاً مسدوداً في كل جبهة من الجبهات الست المهمة بالنسبة إليها. وجهود إسرائيل المبذولة لتحرير الرهائن عالقة لأنها فقدت، بمبادرة من إسرائيل، كل أوراق الضغط الفعالة ضد قائد “حماس” في غزة يحيى السنوار". 

شمشون

أما الكاتب في صحيفة معاريف بن كسبيت فيقول: "لقد قال شمشون: (سأنتقم انتقامة واحدة... ولتمت نفسي مع الفلسطينيين). منذ 7 أكتوبر، أصبحنا مشابهين جداً لشمشون في أشياء كثيرة – الغطرسة، والعمى، والانتقام، والانتحار – لدرجة أنه من المخيف جداً أن نتذكر البطل المتعجرف الذي انهار المنزل على رأسه وقتل روحه في سبيل قتل الفلسطينيين".

ويحذر أوري مسغاف الكاتب في “هآرتس” "من هزيمة كبيرة لإسرائيل بحال لم يسقط الإسرائيليون حكومتهم. عيد الفصح، اليوم، هو الأكثر حزناً من بين الأعياد التي يذكرها، فلا حرية، بل عبودية، فيما بقي 133 إسرائيلياً في الأسر، وهزيمة في كل الجبهات.. رجعت من زيارة للجليل، وقد اهتزت كل مشاعري، فالشمال، كما في جنوب البلاد، مهجور، ويتعرّض للهجمات والإهمال، وتحولت مدينة كريات شمونة لمدينة أشباح".

ويرجح مسغاف "أن ينفجر كل شيء قريباً، عشية يوم الاستقلال (النكبة) الوشيك، بعدما تبيّنت الصورة للواقع المأزوم بعد 200 يوم من الحرب على غزة دون تحقيق أي من أهدافها".

أما محرر الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، الذي يقول إنه قبيل اليوم الـ 200 للحرب ضد “حماس”، والتي تمدّدت إلى جبهات أُخرى، لا مفرّ من الحديث عن إخفاق خطِر في وضع الأمن القومي.
-----------------------------
تقرير – هيباتيا موسى
من المشهد الأسبوعية