بعد عشر سنوات على أخر زيارة لرئيس روسي لمصر،يحلّ أخيرا الرئيس الروسي بوتين بأرض الفراعنة و تندرج هذه الزيارة في إطار التعاون و تطوير العلاقات بين البلدين ، و قد تمت في توقيت مناسب جدا، فمصر تتعرض لضغوطات مستمرة سواء من قبل بعض الدول الخليجية أو الغربية، أضف إلى ذلك فهي مناسبة للتشاور و تبادل الآراء حول مجمل القضايا الراهنة بالمنطقة كالوضع العراقي المتردي أو الأزمة السورية التي لم تجد طريقها إلى الحل.
انه المغنم، فمصر ستجني الكثير ، أولها كسر الجليد على العلاقات و تطويرها إلى الأفضل، ثانيها كسب صديق جديد، قوي ، متقدم تكنولوجيا و عسكريا، متطور اقتصاديا، غني، له عملة ذات وزن في الأسواق النقدية العالمية، جريء، لا يأبه لتهديدات الغرب، تعلم دروسا كبيرة و خاصة منذ سقوط حلفائه الواحد تلو الأخر . لقد سقطت بغداد، و تهاوت طرابلس، و الآن دمشق على المحك.
إن روسيا اليوم تريد أن تعود إلى وزنها و إلى مجدها، فلا اخالها ستبقى سلبية، لا تؤثر و لا تتأثر بما يدور حولها في العالم، و لا احسبها تبقى مكتوفة الأيدي لتسلب منها مناطق نفوذها الواحدة تلو الأخرى، و لا اعتبرها ترضى بالفوضى الخلاقة التي أحدثها الغرب في كل مكان...
إن زيارة الرئيس الروسي إلى مصر لها عدة رسائل و مدلولات و إشارات، لعل أبرزها انه من باب الوهم الاستفراد ببلد النيل، و فرض أملاءات عليه من قبل الغرب أو إتباعه. فمصر لها تاريخ مع الاتحاد السوفييتي سابقا، فمن باب الجحود تناسي أفضاله على مصر و على بلدان الشرق الأوسط عموما و خاصة عند الحروب و الأزمات... فقد كان الممول الرئيسي لهذه البلدان و غيرها بما يوفره لها من حبوب و أسلحة لمحاربة الجوع و العدو في آن واحد.
إن الماضي يذكرنا بان الغرب يسعى دائما إلى إبقاء العرب على تخلفهم و تأخرهم ،فلقد ضرب المفاعل النووي العراقي، و قد دمر مدفعه العملاق، و قضي على كل قدراته العلمية و العسكرية ... أما سوريا فشانها شان ليبيا فقد فككتا مخازنهما الكيمياوية و أرسلتها على وجه السرعة إلى بلاد الغرب لمصادرتها أو الانتفاع منها لاحقا ، وقس على ذلك...
إن الرئيس الروسي قدم إلى مصر حاملا بين جنباته املأ كبيرا إلى مصر و إلى المصريين ، فبناء محطة نووية لأغراض السلمية تعني الكثير إلى بلد النيل و لعل أبرزها وضع مصر ضمن لائحة البلدان المتقدمة التي يمكن أن تدر مكاسب هامة عليها في ميادين عديدة كالطب و الزراعة و غيرها و توفر أرباحا طائلة عندما تقطع مع شراء الطاقة بالعملة الصعبة بل توفرها لتقوية ميزانيتها و تحقيق معدل أفضل للنمو فتنعش اقتصادها و تنقص من آفة البطالة ، و توفر المزيد من مواطن الشغل، و هكذا تسير شيئا فشيئا نحو تحقيق الكرامة المنشودة.
على غرار الإيرانيين الذين يزخر بلدهم بمخزونات هامة و احتياطات كثيرة من النفط و الغاز الطبيعي و مع ذلك بنوا أكثر من محطة نووية بمساعدة الروس، أليس بالعزيز على المصريين أن يحذوا حذوهم خاصة و إنهم يملكون من العلماء و الخبراء في هذا الميدان ما لا يملكه غيرهم؟
فهل يمضي هذا الأمر إلى منتهاه و تثبت الوعود أم يبقى هذه المشروع في جدل لا ينتهي من السلب و الإيجاب؟ و كيف يمكن التصدي للقوى الأخرى المعادية لنهضة مصر و تطورها التي لا تريد لهذا المشروع أن يرى النور و تود أن تنسفه بدل أن تسعفه.
و هل تجتمع عناصر البناء ونرى مصر واقفة ملء القامة بمزيد العناد و الإصرار تبني محطتها فتسترجع عظمتها، مفعمة بالحياة لا تشكو خوى، تشعر بالتمام لا بالنقصان.
##