26 - 06 - 2024

المعرض العام الـ 44 للفنون التشكيلية وخلافات كل عام

المعرض العام الـ 44 للفنون التشكيلية وخلافات كل عام

  لم أجد خلافات على الساحة التشكيلية بحجم ما وصلت اليه بالمعرض العام بمصر بكل دوراته السابقة، وأيضا هذا العام الذى تجاوز الحد من الإنتقادات على منصات التواصل الإجتماعى. الأمر الذى جعلنى فى حيرة من أمر هؤلاء الرافضين لسياسة ومنهج القائمين على تنظيم المعرض وإدارته. 

كان العديد من الفنانين كل عام يرفضون إقامة المعرض بدعوات لبعض الفنانين دون غيرهم ويطالبون بأن يكون الكل سواسية وإلغاء فكرة تقييم الفنانين من قبل قطاع الفنون التشكيلية المعنى بالتعامل مع جميع الفنانين فى مثل هذه المعارض بدون تفريق، فهذا المعرض مهتم بطرح تجارب الفنانين فى السنتين السابقتين لإقامته للوقوف على ملامح الحركة التشكيلية فى هذه الفترة.

  كانت هناك بعض الانتقادات للجان الفرز فى كل الدورات أما لمحاباة البعض واستبعاد البعض لمواقف شخصية، وأيضا لقناعتهم أن الفنان من حقه تقديم تجربته الفنية دون المرور بمرحلة الفرز، خاصة لو كان الفنان كبيرا فى السن. الأمر الذى لا يجعله عرضة لتقييم زميل له ربما يكون أصغر سنا وأقل خبرة، وأن يعرض العمل على مسؤوليته ويترك للجمهور والنقاد تقييمه.

وعزف الكثيرون عن المشاركة، وتعالت المطالبات بمنع الدعوات وعدم التفريق بين فنان وفنان آخر، والإكتفاء بتقدم أعمال لفنانين كبار كضيوف شرف تكريما لدورهم فى الساحة التشكيلية.

  غامر رئيس قطاع الفنون التشكيلية والهيئة المشكلة لإقامة المعرض العام دون دراسة كافية، وأعلنوا منع الدعوات. وللحقيقة كنت مشفقا عليهم من هذا القرار الجريء، لأن الذى ترسخ لدى العديد من الفنانين هو دعوتهم للمشاركة، بإعتبار أن هذه الدعوة إعتراف بقيمتهم دون غيرهم حيث لا تخضع أعمالهم للفرز كبقية المشاركين. وعدم دعوتهم تقليل من قدرهم – من وجهة نظرهم - الأمر الذى سيجعل الكثير منهم يرفض المشاركة. 

أشفقت عليهم لأن زحزحة الثوابت التى أرساها القائمون على المعرض العام طوال دوراته السابقة تحتاج الى تفكير فى بدائل حقيقية وجادة، لعدم مشاركة البعض المحتملة حتى يتحقق النجاح لهذه الفاعلية المهمة.. لكن سياسة القطاع المتخبطة جعلت العديد من الفنانين لا يصدقون قراراتهم، خاصة وأن القطاع لم يأت بهذه السياسة منذ تولى وليد قنوش رئاسته. فقد قام منذ فترة ليست بالبعيدة بدعوة عدد ممن اختارهم من وجهة نظرة لإقامة معرض "البدايات" ليلقي الضوء على بدايات بعض الفنانين المصريين أصحاب التجارب المؤثرة من أجيال مختلفة، بدايةً من الرواد وحتى جيل الألفية. ووجهت الدعوات لعدد من الفنانين دون غيرهم للمشاركة، الأمر الذى أغضب البعض الآخر، وأفقد القطاع مصداقية الشفافية والتعامل مع الفنانين بمعيار واحد. وانعكس هذا على المعرض العام باعتبار أن القطاع لم يغير سياسته فى التعامل مع الفنانين.

لم يصدق الفنانون إعلان القطاع إلغاء الدعوات والكيل بمكيالين بعد تجربتهم مع معرض "البدايات"، وعندما أحس رئيس القطاع بعزوف الفنانين قام ومساعدوه بتجييش فنانى الإسكندرية للمشاركة دون أن يهتم بالخريطة التشكيلية، كالدعوة العامة لفنانى المنصورة وفنانى الجنوب بإعتبار وجود كليات للفنون فى هذه المواقع.

  بدأ الهجوم على المعرض العام قبل أن يفتتح وبمجرد إعلان أسماء المشاركين خاصة وأن معظمهم أسماء غير معروفة. حيث قام أحد الكتاب بنشر كلام هزلى لا يرتقى للنقد العلمى أو حتى الكتابة الهزلية الهادفة، وهذا جزء من رؤيته !!!:"قومي يابت يا انشراح انتي لسة نايمة، قومي زغردي واملي الدنيا زغاريد وافرسي العزال الحاسدين الوحشين التعبانين ..النتيجة طلعت يابت، ايوة .. نتيجة المعرض العام  . – لولولولولولولي فرحتيني ربنا ياخدك ايوة كدة خلي الفرح يدخل بيتنا ... – وفرحي شكلمات نجحت هي كمان، احنا مننساش الجدعان بتوعنا أبدا.. اللي بيسمعوا كلامنا ..الحلويين الطعمين الآه آه .. واللأ هلأه .. والهبه هبه. اسمعي وقولي للواد دقدق كمان نجح". 

هذا مقتطف من كلام أيمن أبو زيد قبل أن يرى المعرض قام بإهانة المشاركين الذين أعلنت لجنة الفرز أسماءهم. وهذا الكلام ليس له علاقة بنقد المعرض العام، أو حتى تقديم رؤية جادة للخروج بمعرض يليق بمكانة الفنانين المصريين وتميزهم.

افتتح المعرض العام بفرحة غامرة لجموع المشاركين فى إحتفالية غريبة من قبل وزيرة الثقافة التى اكتفت بلقاء الفنانين وتوزيع التكريمات على مسرح النافورة بدار الأوبرا دون أن تشاهد الأعمال، وهذا أمر غريب لم يحدث منذ إقامة المعرض العام. إن إلغاء الدعوات خطوة منطقية لتحقيق النجاح للمعرض العام لكن تجاهل الأعمال من قبل وزيرة الثقافة التي حضرت ولم تشاهد دليل على خلل فى التقدير والرؤية.

  يقول الفنان والناقد دكتور رضا عبد السلام:" ياجماعة المعرض العام يمثل فقط حوالى ٢٠% من المشهد التشكيلى المعاصر فلا غرابة ولازعل. وما احوجنا لعودة سوق الفن مثلما كان حاضرا ومزدهرا فى الماضى." وقد أتفق معه بنسبة كبيرة لكن السؤال ما الفترة الزمنية التى يقصدها فى الماضى؟. خاصة بالنسبة للمعرض العام تحديدا.

   وأرى أنه لو كان المكسب الذى حصل عليه الفنانون فى هذه الدورة هو إلغاء الدعوات والعودة الى احترام جموع الفنانين، فهذا يستحق تحية الفنان وليد قنوش رئيس القطاع على تحديه هذا التقليد، ولكن نطالبه بالبحث عن حلول تدفع الجميع للمشاركة، والى أن يتم هذا أرى أن المعرض العام قائم على رصد الحركة التشكيلية فى السنتين السابقتين لإقامته. فلماذا لا يطلب من كل فنان عرض فى السنة التى تسبق إقامة المعرض فى قاعات الدولة أو القاعات الخاصة التقدم بعمل مما عرض ليشارك به بالمعرض العام. كنوع من أنواع الرصد الحقيقى للنشاط الفنى.

  ينتقد الفنان والناقد أحمد الجناينى مشاركة الفنانين العرب فى المعرض العام فيقول:" المعرض العام الذي تنص لائحته أنه للوقوف على مسيرة الحركة التشكيلية المصرية يفتح الباب لفناني الخليج مشاركة وتكريما وتوددا مفضوحا". ورغم سعادتى بمشاركة عدد من الفنانين العرب المقيمين فى مصر إلا أنى أتفق معه على إيجاد بند فى اللائحة يؤكد هذا. الا أننى أتحفظ على الجملة الأخيرة "يفتح الباب لفناني الخليج مشاركة وتكريما وتوددا مفضوحا" فهناك مشاركة من أكثر من دولة ليست خليجية مثل الجزائر والسودان والأردن وسوريا وفلسطين والعراق، ولا معنى لكلمة التودد المفضوح فى هذا المجال ولكن نحتاج الى هذا المشاركات ولكن بعد تعديل اللوائح.

  يقول الفنان والناقد صلاح بيصار:" المعرض العام الـ 44 بمشاركة اكثر من 300 فنانا

دورة هزيلة واعمال قليلة جيدة ..وضجة مفتعلة من بعض الفنانين لمجرد مشاركتهم بينهم اساتذة بالكليات الفنية ..وهو حق طبيعى لكل فنان ..مايقلل من قيمة الابداع المصرى

الفنانون :عبدالوهاب عبدالمحسن ومصطفى عيسى وطارق زبادى ومحمدعرابى من اعضاء لجنة التحكيم ..شاركوا باعمالهم بالمعرض وهذا يتنافى مع قوانين وأعراف لجان التحكيم .

لاول مرة مع قصر الفنون امتدادات.. بقاعة الباب والهناجر وصلاح طاهر الى مركز محمود مختار الثقافى

يفتقد لاستراتيجية للعرض ولا يحمل عنوانا اومفهوما ..فى عصر الفنون المفاهيمية التى تحمل افكارا وتقدم فى مشاريع فنية

احجم عدد كبير من الفنانين عن المشاركة بالقاهرة والاسكندرية ..كما تم إقصاء من شاركوا بالمعرض العام لأكثر من دورة .. وهنا يعرض الفنان على مسؤوليته". ولا أختلف مع الفنان بيصار فى أن الأعمال الجيدة قليلة جدا وهناك ضجة مفتعلة من بعض الفنانين، وأيضا والأهم هو كيف يشارك أعضاء لجنة الفرز فى المعرض طالما قبلوا هذه المسؤولية؟. والغريب أيضا هو تعذر حضور اثنين من اللجنة طوال عملية الفرز، وقيامهم بالفرز عن بعد. هناك بلا شك خلل وعدم مصداقية وتخبط فى القرارات دون دراسة جعل الكثيرين يمتنعون عن المشاركة.

   سنرى من يقول لقد ألغيت الدعوات استجابة للمطلب العام، فهل يقوم قطاع الفنون واللجنة المقررة للمعرض بالإبداع مكان الفنانين. ولماذ لم يستغل الفنانون قرار منع الدعوات بشكل إيجابى ويتقدموا بالمشاركة. إنها قضية يتحملها القطاع والفنانون أيضا. كل بحجم ما فعل. لا استثنى طرفا وأدين طرفا. المكان ملك جموع الفنانين ويستطيعون تغيير المنظومة بالتواجد وليس الهروب، ويستطيعون أخذ حقوقهم لو رفضت أعمالهم بدون مبرر موضوعى من خلال نشرها والتظلم وإعطاء فرصة لحكم النقاد وجمهور الفن على تجاربهم التى تقدموا بها. لست مع المقاطعة فالمشهد التشكيلى يرى بشكل أكبر فى مثل هذه المناسبات رغم انتشار القاعات الخاصة بشكل كبير إلا أن المؤسسات ملك الفنان وله حق فيها، ويجب الدفاع عنه وعدم التنازل عن مكتسباته حتى لا تضيع.

   شارك فى هذا المعرض عدد كبير من الفنانات وصل الى 120 فنانة تقريبا من أصل 311عدد المشاركين الذين أعلنت أسماؤهم، وهذه نسبة كبيرة مقارنة بمشاركتهن فى السابق، وهذا الأمر لفت إنتباه الحضور، وأنا لا أجد غرابة فى هذه النسبة لو قامت لجنة الفرز بواجبها المنوط بها واختارت الأعمال الفنية التى تليق بالعرض فى مناسبة كهذه. لكن عددا كبيرا من المشاركات جاءت أعمالهن ركيكة ولا ترتقى للعرض.

  فى معظم الدورات السابقة كان النحت يؤكد نفسه وسط هذا الكم من المشاركات إلا أنه انسحب هذا العام وجاءت أعمال كثيرة دون المستوى، وهذا أمر يستحق الدراسة والبحث. تفوق التصوير على الرسم والجرافيك فى الكم بشكل لافت أشعر الجميع بأختفاء عدد من أفرع الفنون مقابل اللوحات التصويرية

  أيضا انخفضت مشاركات التصوير الفوتوغرافى وجاءت معظم الأعمال تقليدية ولا ترتقى لمستوى العرض.

  أختفت الأسماء الثابتة من التى كانت تتصدر القاعة الرئيسية بقصر الفنون فى معظم دورات المعرض، وهذه خطوة نحو عدالة توزيع الأعمال. كما ألغي العرض فى الممرات الضيقة، وهذا أيضا مكسب للفنانين المشاركين.

  نجح القائمون على العرض فى توسيع أماكن المعرض بضم قاعات إضافية كقاعة الباب والهناجر وصلاح طاهر وقاعتى متحف محمود مختار لتحقيق رؤية جيدة للمشاهدين. وتمني جميع الحضور لو كان هذا التوسع لأعمال تليق بالحدث.

  جاءت مشاركات الفنانين العرب المقيمين بمصر متميزة وجادة بالنسبة للمعرض ككل، وهذه المشاركة لفتة جيدة من قطاع الفنون كانت تحتاج الى تغيير اللائحة لتحقيق مشروعية العرض.
----------------------------
بقلم: د. سامى البلشى

 






اعلان