26 - 09 - 2024

العميد والحكيم من الصداقة إلى ريادة قصيدة النّثر

العميد والحكيم من الصداقة إلى ريادة قصيدة النّثر

الصَّداقةُ لغزٌ كالحبّ

 الصَّداقة كالحبّ؛ ليس لها شروطٌ معروفةٌ، أو نظريَّاتٌ صائبةٌ؛ فقد تحبُّ من  لا يبادلك، وتُصادقُ مَن لا يُشاكِلُك...!

 عُرفَ توفيق الحكيم (1898-1987م) بالفوضى، والمرح، والعبثِ، والخروج عن كلّ عُرْف، ومن يقرأ "زهرة العمر" يقف على شخصيّة مختلفة كل الاختلاف عن صاحب "الأيام"، كما أنَّ محاولاتهِ التجديدِيَّة، وانبهاره بأدب الجاحظ لم يقف عند حدٍّ إلى آخر ما يمكن أن تقود إليه الرّغبة الجموح في التّغيير والتّجديد والحداثة في ملامح عابثة ماكرة تخاتلك ولا تفصح عمّا تستره، وتجد كل الجدّ وهي تمازحك....!

 وفي المقابل تبدو ملامح طه حسين صارمةً جادَّةً، متمسّكة بالدقَّةِ والصَّرامة والثّباتِ على المبدأ، والحرب التي منشؤها الثّقة، والوقوف على قواعد الفنّ الأصيلة، والقدرة الفذّة على محاكمة المبدعين على أساسها، مع إسباغها روحه ومزاجه وثقافته وأسلوبه وشخصيّته، كما أنّه في الوظيفةِ كالأدبِ؛ يخدمُ الوظيفةَ وفق قواعدها وقوانينها الصّارمة، ولوائحها المتّبعة؛ فيصير حُكْمهُ سيفًا باترًا على أقرب تلاميذه وأصدقائه؛ كما نعرف عن شأنه مع مندور وزكي مبارك وغيرهما، ونراه يسعى إلى الترقّي، ويطمح إلى أعلى المناصبِ حتّى صار وزيرًا للمعارف بعد أن أطيح به في حكومة إسماعيل صدقي في نوفمبر 1930م من عميدٍ للآدابِ إلى موجّه في المدارس الأوّليَّة...!

 في حين كان توفيق الحكيم مختلفًا في أسلوبهِ العبثيّ المازح الماكر الضّحوك العابث المتفلسف، وطريقتهِ الأدبيَّةِ التي تهدم قبل أن تبني، وهو ما يتّفق ومنهجه في الحياة...!

صَداقةُ النّقيضينِ:

 ومع كل ذلك؛ فقد قامت بين الحكيم والعميد صداقةٌ وطيدةٌ، وقد بذل الصَّحفي إبراهيم عبدالعزيز جهدًا مشكورًا في  إحياء تراث الصَّديقين؛ حين جمع الرّسائل الخاصَّة المتبادلةِ بين الأديبينِ العظيمينِ، ونشر بعضها بعنوان "رسائل خاصَّة بين طه حسين وتوفيق الحكيم" ورأى في مقدّمتها أنَّ الجامع الأكبر بينهما الذي يسمو على كلّ اختلاف توقُهما إلى الحريَّة والإيمانِ بالعدالة والكرامةِ الإنسانيَّة...!

وكان أوّل تعارفُهما المقال النَّقديَّ الذي قرَّظ به طه حسين، على خِلافِ طبيعَتِهِ مسرحية الحكيم الفلسقيَّة الأولى "أهل الكهف" سنة 1933م، ورآها إبداعًا فريدًا في الأدبِ العربيّ كلِّهِ، وراى فيها  فاتحةً عظيمةً للفنّ التَّمثيليّ العربيّ، وإن رفضَ توفيق الحكيم معظم هذا التّقريظ، ونسب الفضلَ في هذه الرّيادة التّمثيليّةِ للجاحظِ الذي أُغرِم بهِ كلّ غرامٍ...!

وفاء مرشحي نوبل:

وانتهى اختلافُهما إلى صداقةٍ فريدةٍ من نوعها،وتقديرٍ متبادلٍ مستحق؛ ممَّا حدا بالحكيمِ أن يكرّر في غير مناسبةٍ أنَّ العميدَ كان حقيقًا بجائزة نوبل للآدابِ، وقد ذكر نجيب محفوظ لاحقًا أن الحكيم قمينٌ بها...!

ساند العميد توفيق الحكيم في محنه النّفسيّة والوظيفيَّة مرّات عدّةً مشهودةً؛ منها أنّه رشَّحَهُ مديرًا لدار الكتب المصريّةِ، وكان مرشّحًا لها غيره؛ فانتصر له العميد وظفر بها، وقد كان لها مكانة عظمى في بين المثقّفين...!

مِن تمازُج الأرواحِ إلى تمازُجِ النُّصُوصِ:

  جمعت بين الصّديقينِ رحلاتٌ وسفراتٌ ولقاءاتٌ متعددة في مصر وأوروبا. ولعلهما ترجما هذه الصَّداقةَ الرُّوحيَّةَ، والامتزاج الأدبيّ  إلى تجربة فريدةٍ من نوعها في الأدب العربيّ الحديثِ؛ إذ ألَّفَا معًا رواية:" القصر المسحور" سنة 1936م؛ وهي روايةٌ تمثيليَّةٌ مستوحاةٌ من حكايات "شهرزاد" في ألف ليلةٍ وليلةٍ...!

ولعلَّ هذا الاندماج بدا في توارد خاطريهما في بعض عناوينِ كتبيهما؛ فنجدُ العميد يكتبُ كتابًا بعنوانِ:" رحلة الربيع"؛ وهو كتابٌ يرصد فيه انطباعاتهِ عن الأدبِ والفنِّ والثَّقافةِ في أثناءِ رحلته إلى باريس، وكان قد سبقهُ بكتابهِ:" لغو الصَّيفِ"؛ وهو مجموعةُ مقالاتٍ مسلسلَةٍ، نشرها في مجلة الرّسالة بين عامي 1933 و1934م.

الحكيم ناقدًا للشّعر:

والعجيبُ أنَّه حين خطرَ للحكيمِ سنة 1968م أن يجمعَ مسرحيتينِ قديمتينِ لهُ؛ هما: رحلة صيدٍ، ورحلة قطار رأَى أن يجمعَ إليهما محاولاتِهِ الشِّعريَّة الأولى التي كتبَها في عشرينيَّات القرنِ العشرينَ، ورأَى أنَّ هذه الأشعارَ بمثابةِ الظِّلالِ الوارفةِ لأفكارهِ والأغصان المتشابكةِ لمشاعرهِ وأحاسيسِهِ التي تجلَّت في صورٍ متداخلةٍ أقربَ إلى تكويناتِ المصوِّرِين التَّشكيليِّين وتلويناتِهِم. 

ومعَ أنَّ الحكيمَ يعلنُ في بدايةِ مُقدِّمَةِ الطَّبعةِ الأُولى عَجزَهُ عنْ تَصنيفِ هذهِ الأَشعارِ وتَجنيسِهَا ، وتحديدِ موقِعِها منَ الشِّعرِ العَربيِّ عامَّةً، والشِّعرِ الحديثِ خَاصَّةً؛ فإنَّهُ يعودُ ليَصِفَها بالقَصائدِ الشِّعريَّةِ النَّثريَّةِ التي لا تُقيَّدُ بنظمٍ، ولا قالبٍ معروفٍ،بل يعلِّقُ على بنيتِها التَّشكيليَّةِ ورؤيتِها الجماليَّةِ؛ فيرى أنَّهُ استوحى هذا الشَّكل منَ القالبِ الموسيقيّ الذي نجدهُ في بعض سورِ القرآنِ في أشكالهِ الإيقاعيَّةِالآسِرَة؛ مثَّل لها بفواتحِ سور القلمِ ،وَالمسَدِ، وقُريشٍ ، والانفِطَار ... إلخ ... !

ولعلَّ هذه الرؤية تتّفقُ مع محاولات التّفسيرِ التي بذلها الأديب الصَّحفيّ إبراهيم عبدالعزيز، حين حاولَ أن يجذّر لعلاقةِ الحكيم بالشعر من مرحلة النفور في مراحل الدّراسة الأولى بسبب  النّماذج الشِّعريَّةِ التي يقرّرونها على الطّلاب في المدارِسِ، وطرائقِ تدريسها العقيمةِ؛ ولكنّه يرصد مراحل له كان متلبّسًا بشيطانِ الشِّعر فيما كتبهُ من أناشيد وطنيَّة في ثورة 1919م، وأناشيد حماسيَّة ظلّ شباب مصر يردّدونها دون أن يعرفوا  من مؤلّفها الحقيقيّ، وقد ذكر الحكيم هذه العلاقة الملتبسة له بالشّعر في "سجن العمر"، كما حلّله سيكولوچيا وأُنثربولوچيا حين أرجع الأمر إلى أن ثوب الفنّ في الشّعر معروف مبذول لكلّ ناشدٍ لإخراجِ مشاعرهِ وأحاسيسِهِ في إطار موروثٍ مأهولِ الدّرب، في حين عدل هو عن المألوفِ إلى غير المألوفِ...!

وقد خاض الحكيمُ معركة نقديَّة مع شعراء المصريّينَ الحداثةِ في الثمانينيَّات، نشرت مسلسلةً في مجلة الإذاعة والتليفزيون  في ست حلقاتٍ أسبوعيّةٍ، متّهما إيّاهم  أنَّ شعرهم الحديث ما هو إلَّا صدًى للشّعرِ الأوروبيّ، وهو ما منعَ الشّعرَ  المصريّ أن تكون لهُ  شخصِيَّتُهُ الأصيلة، وضربَ لهم أمثلةً كثيرةً لتأثّرهم  الواضح  بالشّاعر والنّاقد الإنجليويّ الشّهير ت .س إليوت، و كان رأيه أنْ يتوجّهَ الشّاعرُ العربيُّ تلقائيًّا صوبَ القرآن الكريم، ورأى  أن الشعراء العربَ القُدامى تأثّروا  بالقرآن الكريم وصياغاته. وتَساءلَ في دهشةٍ  في مقدمتيه اللتين صدّر بهما كتابه "رحلة الربيع والخريف": لماذا لا يفطن شعرُنا الجديدُ إلى الأَولَى، والأجدَى به أن يكونَ النَّموذج لهُ في التّأثُّر، وهو القرآنُ الكريمُ الذي خرجَ عن الشَّكل المعمولِ بهِ في الشّعر العربيّ التَّقليديّ وقواعدِهِ.

الحَكِيمُ شاعرًا:

 ردَّ الناقد الكبيرُ جهاد فاضل هذه الأشعار التي نشرها الحكيم في كتابه"رحلة الربيع والخريف" 1926-1927م إلى قصيدةِ النَّثر؛ وبذلك نضع الحكيم رائدًا لهذا النوع الأدبي؛ إذ لم يكن واحدًا من شعرائها الرُّوّاد قد وُلدَ حتّى نُشِرتْ هذه المجموعةُ...!

يقصد الحكيم برحلة الربيع رحلة الشّباب والشّيخوخة التي يرتفع فيها الحسّيّ على المجرّد، ويقصد الحكيم برحلة الخريف رحلة الشّيخوخة التي يتحوّل فيها الحسّيّ إلى مجرّد على طريقته في عنونة سيرته في وقت الربيعِ بـــ"زهرةالعُمْر" عنونة سيرته في وقت الشيخوخة بــ"سجن العُمْر"؛ يقول الحكيم في مقطوعته:"حلمنا وواقعنا" وهي النّصّ الثّاني من نصوصه الشّعريَّة  المنثورة في "رحلة الربيع والخريف":

مخمورٌ يطرقُ باب الحانِ

و يخرج يهذي بالألحان

يَسْرِقُ حليَ زوجتِهِ

وَيَهْدِيهَا لعشيقتهِ

ويَسْرِقُ حليَ عشيقتِهِ

وَيَهْدِيهَا لزوجتهِ (ص22)

يغرق الحكيم في نزعته الفلسفية المعروفة، وتمنحه لغة الشّعر تكثيفًا مائزًا؛ فهو يرى الوهم والحقيقة وجهين لعُملةٍ واحدةٍ، تنتهي بالفناء والعدمِ؛ فالرّجلُ يريد الزَّوجة للعقل والحنان والسّكن، والعشيقة للجنون والصّبا، ثم يأتي الموت ليكشف وهم الرّجل وما وقع فيه من زيغٍ، والقصيدة  في مجملها تخرج من هذا الواقع الربيعيّ للشباب إلى ما استأثر بفكر الحكيم في مشوار عمره؛ وهو حيرة الإنسان المعاصر بين الحسي والمجرد، والممكن والمستحيل، واللذة والقيم، والواجب والحرية، والمسؤولية والجموح ...!

ومع أن الحكيم استحضر الطاقات الموسيقية  من المجانسات اللفظية بين"الحان" والألحان" والتكرار الفعليّ للفعل "يسرق" والتركيبيّ" في يهديها لعشيقته"،"وَيَهْدِيهَا لزوجتهِ" مع توازنهما الموسيقيّ ليعلن حيرة الاختيار وصعوبته لتحديد المصير الإنساني بين ما نراه متساويًا أو متعادلًا وفق نظرته في "التّعادليَّة".

ومع ما تحمله التّجربة السابقة من فلسفة الحيرة، وضبابية المصير الإنساني وضياع الإنسان بين اللَّذّة والقيمة، نراه يلتقط العابر واليومي، وتخفّ الحدة الفلسفيَّة في مقطوعته الثّالثة" محاولة قبلة":

عُملةٌ صفراء من ذهبٍ ذهبتْ

في مثل برقة العين هوتْ

وعلى رُخام الأرضِ الأحمرِ تدحرجتْ

بصوتٍ حُلو الرَّنينِ

وفي ثُقبٍ اختفتْ

قالتِ الخادمُ الوقحةُ بابتسامةٍ صفراءَ:

لا أَمَلَ!...دعني أمسحُ الرُّخام

ثمَّ جعلت تُطلي بالأحمرِ شفتَيها.(ص24)

وقد أفاد في هذه القصيدة من آليَّة المونتاج السينمائيّ وتقطيع المشاهدِ وتركيبها، وتداخلها ...!

ومع تركيزه على المجانسة، والاتفاق الصرفي والتركيبي ليوفرَ طاقات موسيقيَّة نجده يعلو بها في النصّ الرّابع، الذي جاء بعنوان:" هواجس ليلة بيضاء":

تنفّسَ صُبحٌ من أنوف خيول

تركضُ لاهثةً في وهاد نفسي

أسمع في أعماقِ الصَّهيل:

امنعوها في اللِّحاقِ بأمسي (ص25)

فالإيقاع يأتي من التقارب الصرفي بين :خيول، صهيل"، في الأول والثالث و"نفسي، أمسي" في الثاني والرابع، وكأنه يقوم بهذا التقارب بتعويض التصريع في الشعر المقفى ليقطّر إيقاعا موسيقيًّا متشابها، يحقق الوحدة والتماسك من ناحية، ويحدث التوازن أو التّنازع بين الذّاتيّ والكونيّ من ناحية ثانيةٍ؛ فثمة تداخل بينهما؛ فالكونيّ مطّردٌ في كرّ الليل والنهار بإيقاعِ تنفس أنوف خيولٍ صاهلة لاهثة من سرعة الرَّكض مستعينا بالتّناصّ القُرآني الواضح في قوله تعالى:" والصّبح إذا تنفسَ" (التكوير:18)، وقوله تعالى:" والعاديات ضبْحا"( العاديات:1) والذّاتيّ في القلق والاضطراب المسيطرين على الذَّاتِ في محاولتها الاحتفاظ بهذا الصُّبح الجامح النّشيط الفتيّ/ الرّبيع، بما يحمله من طموح وانطلاق في وهادٍ منبسطةٍ منتظمة كأنفاسِ الخيول اللاهثةِ، ولكنّ خوف الكرّ ينذر بالنّهاية المحتومة ولحوق النّهار بالظّلام، واليوم بالأمسِ؛ فيسطر العدم، بلا نفسٍ ولا ضوءٍ؛ كالحياة التي تمنحنا نموذج الوجود والعدم بشكل يوميّ منتظم من خلال تعاقب النّهار واللّيل...!

وفي المقطوعة الخامسة:"مسافر في الفضاء..." يحاول بناء إيقاع رتيب يناسب المعنى:

أيتها الأُذُنُ اسمعي هُنَاكَ:

ما هذا السُّكونُ الجاثم كالحيوان النّائم؟!

حيوانٌ ميّتٌ لا تصعدُ من أنفهِ أنفاسٌ

إنَّه النُّعاسُ كل شيء في نعاسٍ

أين ذهبت العصافيرُ من عشّنا؟!

ولكنّي واثقٌ واثِقٌ أنَّ بيتي هُنَاكَ..!(ص27)

ولعلَ تكرار "هُنَاكَ" في المبتدأ والختام منح التجربة بُعدًا فلسفيَّا ميتافيزيقيًّا؛ فالآمال تظل بعيدةً، والموت مختبئًا وراء كلّ الأشياء، وبالرّغم من سيطرته في كلّ شيء؛ فإنَّه يظلُّ"هُنَاكَ"، كما تحملُ هذه الإشارة، أيضًا، الثّقة بالبعثِ مطلقًا؛ بعث الكائناتِ والآمال والنّاس والحيوانِ والبعثِ الأعظم الذي يؤول إليها الجميعُ...!

وثمة صراعٌ متجسّد في هذا الديوان" رحلة الربيع" في صور الحواسّ من السمع إلى البصرِ، مع انتصاره للسّمع وفق القاعدة القرآنيَّة، وهو صراعٌ يجسّد ما ذكرناه آنفًا من غلبة الحسي على المجرّدِ في هذه الرّحلة، مع كونهما مصطرعينِ؛ فهما وجهانٍ لمصيرٍ واحدٍ...!

- نقدُ شِعريَّةِ الحكيمِ وعَتبَاتهِ:

ثمة تجارب عبثية وغامضة في شعر الحكيم، كما نلحظ فقرًا في المعجم الشعريّ، وتفصيلًا وتكرارًا  أقرب للغة السّردِ منه إلى التّكثيف الشّعريّ؛ كما نرى في قصيدته الأولى: "قبة سمائنا"

غطاء محكم الإغلاق

أزرق زرقة الأبد

زرقة ضمير طفل في المهد

أغلق غلقا على جوهره (ص21)

كما نلحظ هذه السّمة بشكلٍ واضح في عناوين قصائدهِ التي أعوزها التّكثيف الشّعريّ؛ فعنوان القصيدة الأولى"قبة سمائنا" تقريريّ لا شاعريَّة فيهِ، وكان الأوفق أن يكون العنوان" سماء"، وهذا العنوان يحفظ القصيدة  من احتمالات الهرطقة، وجاء عنوان القصيدة الثانية أكثر ابتذالًا وبعدًا عن اللُّغة الشّعريّة "حلمنا وواقعنا"، والأوفق أن يكون عنوانها:"نحن"، والثّالثة:"محاولة قبلة" عنوان مسرحيّ، وكان الأوفق" أمل"، أو"قبلة" والرابعة" هواجس ليلة بيضاء" عنوان روائيّ، والأوفق" هواجس"، والخامسة:"مسافر في الفضاء" عنوان ينال من كثافة التجربة وعمقها، والأوفق أن يكون عنوانها: "حواس"؛ فهي المعادل الأيقونيّ الذي يرتكز عليه في القصيدة، ويحمل فكرة الديوان"رحلة الربيع"...!

وإذا تسامحنا مع الحكيم فيما ارتأيناهُ من نقدٍ لعتباتِ نصوصهِ؛ لأنّه وضعها بعد عقودٍ من كتابتها؛ إذ كتبها غُفلًا؛ فلن نتسامحَ معه فيما عنّ لنا من نقدٍ لغويّ بسبب حداثةِ سنّهِ وبُعد التّجاربِ في كهولته؛ إذ وصل إلى مشارف الأربعين تقريبًا...!

ويبدو أنّني تقمّصْت شخصيّة صديقهِ العميد، وحاورته حوار الصّديقين؛ فرحمة الله على العملاقين الكبيرين..!
--------------------------
بقلم: أ.د. محمد سيد علي عبدالعال (د. محمد عمر)
* أستاذ الأدب والنقد ووكيل كلية الآداب للدّراسات العليا بآداب العريش

مقالات اخرى للكاتب

العميد والحكيم من الصداقة إلى ريادة قصيدة النّثر