انطلقت الأبواق والحناجر بالصراخ والصياح على ما يحدث فى سوريا وانقسم الناس ما بين مؤيد ومعارض وزعم الفريقان أنهما على حق، ولكن غابت الحقيقة عن الجميع لبعدهم عن التحليل المنطقى.
الفريق الأول أو ما يسمى بالقوميين العرب تحدثوا بمنطق الخوف على الدولة وعدم سقوطها .. تخيلوا معى لفظة الدولة التى يرددها دوماً الطغاة وسالبو السلطة وقاتلو الشعوب، أين الدولة السورية التى اختطفها الأسد وعائلته واستعان بالجيش واستقوى به على شعبه وعاث فى الأرض قتلاً وفساداً .. وتحول الجيش إلى ميلشيا للنظام لا جيش الشعب والوطن .. استعان الأسد بروسيا وإيران وحزب الله بزعم وقف المخطط لإسقاط الدولة السورية المزعومة، أية دولة يرابط على أراضيها كل تلك القوات الأجنبية، بينما طيران العدو يحلق ويعربد ليل نهار ولم نر من الجيش العربى السورى إلا الضعف والتخاذل مع الأعداء والبطش والجبروت فى قمع الشعب السورى .. وظل بشار مع أعدائه محتفظاً بحق الرد فى المكان والزمان الذى يراه، ولم يفعل حتى اللحظة منذ ضربت قواته فى سهل البقاع عام 2000 .. أية دولة تلك التى تتحدثون عنها وما هو مفهوم الدولة لديكم؟ هل القمع والاستبداد والإنفراد بالحكم هو مفهوم الدولة، أم هو دفاع غير مباشر عن عروشكم وكراسيكم العفنة .. الأسد لا يهمه أن تصبح سوريا كلها كومة من الركام يجلس هو على تلها .. لماذا لم يرحل إذاً ويسلم البلاد من تلك الهاوية؟ لماذا ورط معه أهم مؤسسة فى البلاد وهو الجيش الذى أصبح متهماً بالقتل والتنكيل وبات يلاحقه العار؟ .. أنظروا معى إلى فرار الجيش السورى فى مواجهة المعارضة المسلحة التى هى أقل تسليحاً وعتاداً .. ولأن جيوش الأوطان تثبت وتقاتل ولا تفر من المعركة أما جيوش الأنظمة فلا ولاء لها ولا وطنية ولا عقيدة قتالية، لذا نفذوا الأوامر بإبادة الشعب وأصبحوا أعداء لشعوبهم لا حماة للوطن .
أما الفريق الأخر فيواجه إتهاماً بالعمالة والدعم الخارجى وتوقيت الهجوم بالخيانة، وهنا يباغتنى سؤال: إذا كانوا كذلك، فلماذا تلقاهم المدن المحررة بالأحضان والزغاريد؟ هل الشعب أيضاً خائن وعميل، أم انكم تعرفون مصيره أكثر منه نفسه؟.. ثم ماذا يفعل شعب أعزل فى مواجهة جيش لوث شرفه تحت حذاء حاكم دموى، وهذه هى المعضلة الكبرى لأن الجيش هو عضد الأمة وساعدها القوى لذا لا يجب أن يكون ظهيراً للحاكم فى مواجهة سخط الشعب عليه، بل ينحاز إلى مطالب أمته فهو جيشها وعزها وحِماها، وهذا درس لكل أغبياء العالم العربى الذين يسيئون إستخدام السلطة وينحرفون بالجيش عن رسالته، وإلى الذين يلومون المعارضة المسلحة.. هل وفر الأسد مساحة من الحوار لنجرم من يرفع السلاح؟ لا. بل وضع الشعب أمام أسوأ الخيارات وهو العصيان المسلح .. هذا بيان للناس فهل يفهم الجبناء؟.. الجيوش تحمى ولا تحكم وولاؤها الأول والأخير للشعب .. حمى الله مصر من كل مكروه وأنار لها الطريق .
------------------------
بقلم: سعيد صابر