06 - 04 - 2025

نفحات العشر الأواخر | التسبيح ثناء وإجلال.. والطيب يدعو الله حماية الأمة من غيوم الغرب السوداء

نفحات العشر الأواخر | التسبيح ثناء وإجلال.. والطيب يدعو الله حماية الأمة من غيوم الغرب السوداء

ينصرف شهر رمضان كما جاءنا بروحه الذكية وعطره في هدوء وسرعة تجعلنا نحزن لفراقه، ندما على ما فاتنا منه، أو أملاً في استكمال مسيرته الطيبة.. ومن قطوف شهر رمضان الكريم المبارك، الإبحار مع شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين الدكتور أحمد الطيب في سحر وأسرار أسماء الله الحسنى.

الإمام الطيب في ختام إبحاره لم يفته أن يحدثنا عن أهمية الدعاء، والآداب والتربية، ومن الآداب كيف ننادي رسول الله صلى عليه وسلم، وكبار السن في الحياة الدنيا..

عن الدعاء نوه الإمام الطيب إلى ذكره في القرآن الكريم، وهنا نشير إلى أن لفظ (الدعاء) ورد في القرآن في نحو تسعين موضعاً كاسم في ثمانية وأربعين موضعاً، منها قوله تعالى في سورة إبراهيم (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) وجاء كفعل في أربعة وأربعين موضعاً، منها قوله تعالى في سورة البقرة (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ).

** الدعاء.. طلب وأمر والتماس

ونعود للإمام الطيب، الذي قال إن الدعاء ورد في القرآن الكريم بأكثر من معنى، مثل قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا}، وقوله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}، موضحاً أن المعنى اللغوي للدعاء هو الطلب من الأدنى للأعلى، ويكون أمراً إذا جاء من الأعلى للأدنى، ويكون التماسا إذا جاء بين متناظرين، من عبد إلى عبد آخر.

ومن الأدعية التي أشار لها الإمام الطيب وتدخل في سياق، وتحمل معنى النداء كما ورد في سورة النور بقوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ۚ}.. حيث كان بعض الصحابة ينادونه صلى الله عليه وسلم باسمه؛ فأوضح لهم الله تعالى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- له حرمة، ويجب أن نتأدب معه، فهو صاحب الوحي؛ مصداقًا لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}، والوحي هنا يرفعه صلى الله عليه وسلم إلى درجة الإنسان الكامل، لافتًا إلى أننا حين نستقرئ حياته الشريفة، نوقن أنه تحمل حياة لا يحتملها البشر العادي، ولا يجود بما جاد به النبي الكريم؛ لأن الله تعالى هو الذي أدبه وربَّاه على هذه الفضائل؛ مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "أدبني ربي؛ فأحسن تأديبي"، فشخصية بهذه المواصفات يجب أن يعرف من حوله قدره حين ينادونه؛ فلا ينادونه إلا بـ"يا رسول الله"، أو "يا نبي الله".

** الدعاء صدقة جارية

وفسر الإمام الطيب في سياق حديثه عن الدعاء، الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، قائلاً: إن هذه الآية نزلت لتجيب على تساؤل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين سألوه "أقريب ربنا فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟"، وقريب هنا، ليست قرب مكانة ولا قرب ذات، وإنما قرب علم وسمع ورحمة، مضيفًا أن الله تعالى يحب منَّا أن نتوجه إليه دائمًا بالدعاء؛ فهو تعالى لا تنفعه الطاعة، ولا تضره المعصية، ولكن صفات الذات الإلهية كـ "الإكرام" و"العفو" و"الغفران" تتطلب من العبد الاتجاه إليه تعالى بالدعاء دائمًا؛ طلبًا للرحمة والعفو والغفران.

ولفت الإمام الطيب إلى الفارق بين الدعاء والتسبيح.. بقوله: الدعاء من ذكر الله، أما التسبيح فهو ثناء وإجلال وتنزيه لله سبحانه وتعالى، مبيناً أن الدعاء يكون صدقة جارية؛ إذا كان من ولد صالح؛ مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتَفع به، أو ولد صالح يدعو له". فيكون الدعاء من الولد الصالح هنا صدقة جارية، يحصل ثوابها للمدعو له، سواء كان الأب أو الأم، موصيًا من يتوجه إلى الله بالدعاء بالثقة في الله، وأن يكون الحال عنده ألا ملجأ له إلا هذا الذي يدعوه، وأن الباقي كلهم عباد مثله لا يضرونه ولا ينفعونه.

** هبوط التربية بالبيت والتعليم  

وأبدى شيخ الأزهر حزنه الشديد على الوضع الحالي للشباب فيما يخص الآدب، مؤكداً ضرورة مراعاة أخلاق الإسلام في مناداة الكبير بشكل عام، فلا ينادى مجردًا باسمه، بل لا بُد وأن يسبق اسمه بـ"حضرتك"، أو غيرها من كلمات التقدير والاحترام، لافتًا إلى أنه قد حدث هبوط مفاجئ على مستوى التربية في البيت ودور التعليم، وعلى مستوى ما يتلقاه الطفل من الإعلام بشكل عام، بجانب ما يتلقاه أبناؤنا اليوم من الأجهزة الإلكترونية الحديثة التي بدأت تعبث بفطرتهم، وتشوهها، وتفرض عليهم سلوكيات لا تناسب تقاليدنا ولا أخلاقنا الإسلامية، إلا أن الله تعالى -ورغم كل ذلك- يبعث لهذه الأمة من يحميها من هذه الغيوم السوداء الداكنة التي تتدفق علينا من الغرب.

وفي نهاية حديثه دعا شيخ الأزهر أولياء الأمور من أباء وأمهات والمسؤولين بالدولة بإحياء الرقابة على أولادنا من مخاطر البرامج الشيطانية التي تقتحم غرف نومنا ـ على حد قوله ـ، مشدداً على ضرورة إحياء المسؤولية الأبوية، التي نحن في أمس الحاجة لها هذه الأيام.. فهي مسؤولية أمام الله.
---------------------------
كتب ـ محمد الضبع