لا نستطيع أن نقول إن المسيحية دين بعيدا عن شخصية السيد المسيح. فالانجيل هو سرد لحياة المسيح منذ ولادته حتى صعوده. ولذا نجد أن المسيحية تتمحور حول التمثل بشخصية السيد المسيح . وكان مفتاح هذه الشخصية هو الحب والاتضاع. فلا اتضاع ولا تواضع دون الحب، والسيد المسيح ولد فى مزود بقر وكان لا يجد ما يضع عليه رأسه، وكان ذلك تأسيسا عمليا على التواضع.
كما أنه أحب الجميع دون تفرقة، على أرضية حب الإنسان والإنسانية التى كرمها الله والتى أوجدها قبل الأديان، فكانت الأديان من أجل الإنسان.
هنا يمكن أن نقول إذا كانت هذه الصفات وذلك التمثل بالسيد المسيح هو واجب على المسيحى العادى، فكيف يكون الأمر بالنسبة لرجال الدين؟ هنا يكون طبيعيا أن نرى رجل الدين نموذجا يقتدي بحياة السيد المسيح قولا وفعلا، شكلا وموضوعا .. فهل نرى ذلك على أرض الواقع؟
للأسف، فتحويل الدين إلى أيدلوجية وتحويل الكنيسة وهى (جماعة المؤمنين) إلى مؤسسة دينية، جعل الأمور تختلط بين الروحي والدنيوي وبين الكنيسة والمؤسسة الدينية.
وعبر التاريخ وفى تاريخ كل الكنائس نجده يتوقف دائما عند القيادات الدينية التى تمثلت بالسيد المسيح وأخذت من حياته القدوة والمثل والنموذج.
هنا نستطيع أن نقول إن البابا فرنسيس الأول بابا الفاتيكان، الذى تنيح يوم الاثنين الماضى ٢١ ابريل ٢٠٢٥، سيترك إرثا نموذجيا لحياة رجل دين تمثل بالسيد المسيح، سيترك سيرة لرجل ربط إيمانه الروحى بالإنسان والإنسانية.. رجل ترجم المفهوم الايماني والروحي فى خدمة الإنسان (مطلق إنسان دون النظر لدينه أو لونه أو جنسه) ..الخ.، رجل أمن بأن الله خلق الانسان وترك له الحرية الكاملة فى أن يختار الدين الذى يؤمن به، حتى يمكن أن يحاسبه الله على اختياره وليس أحد آخر غير الله سبحانه وتعالى. رجل اقتنع بأن الأديان قد أوجدها الله للتقارب لا للتباعد، للتلاقى لا للتنافر، للتكامل لا للتصارع . وقد ترجم كل تلك الأفكار والقناعات إلى مواقف عملية وتاريخية، ولذلك وجدنا أن العالم كله بكل أديانه وتصنيفاته قد عبر عن مشاعر الفقد للراحل الكريم المتواضع والمحب والإنسان.
ولكن للأسف - وهذه هى طبيعة الحياة - وجدنا من المتطرفين الذين يمارسون الدين شكلا ولا يدركون قيمته الروحية والإنسانية يتحدثون بما لايليق، ليس يقدر مكانة هذا الرجل الدينية ولكن بطريقة لا تتوافق مع أى قيمة إنسانية أيا كان اسم وشكل هذا الإنسان. وللأسف الشديد وجدنا أحد رجال الدين الأرثوذكس يتحدث عن الراحل بطريقة لا تليق ولا تتسق مع أي قيمة مسيحية أو إنسانية، لاتتسق إلا مع فكره المتشدد والمتنطع لانه ابن مؤسسة وليس ابن كنيسة. سلاما لروح البابا فرنسيس الجميلة، وسلاما لكل إنسان يعى قيم الأديان ويدرك قيمة الإنسان.
-----------------------------
بقلم: جمال أسعد