26 - 06 - 2024

أخطر العبيد

أخطر العبيد

أثناء مواجهات الثورة المصرية، كان الاختباء وراء جدار أو شجرة كافيا للحماية من نيران القناصة، وبعد نجاح الثورة صار على المرء أن يتسلق تلك الشجرة حتى يصون قدميه عن الخوض في مستنقع القذارة الذي يواصل منسوبه الارتفاع.
هذا هو الدرس المصري القاسي، الذي ستمر به أية ثورة عربية تنتظر النجاح، لأن هذا هو ـ للأسف ـ لحم الواقع الذي تتعالى عليه روح الثورة لحظة نجاحها
يتصور الثوار في لحظة الظفر بالحرية أن إزاحة رأس النظام كافية لكي يتبدل حال البلاد، ولكي يتسلمها الأخيار من الأشرار في حفل تسليم وتسلم مثلما يجري عند تبديل القادة في الجيوش النظامية، لكن الاكتشاف المخيف الذي تعيشه مصر الآن هو أن غياب شخص أو ألف شخص من قمة نظام لا يعني سقوط النظام أو اختفاء الممانعة للتغيير.
ولا تقتصر أسباب الشلل الثوري على المجلس العسكري الذي تسلم السلطة في البلاد، بل إن العوار يكمن في كل زاوية من الأرض التي ثار بعض أبنائها طلبا للعدالة ضد فئة لم تكن قليلة أيضا وتتمتع بفائض في الحرية والثروة. ومن الطبيعي أن تستميت تلك الفئة دفاعا عما بأيديها، ومن الطبيعي أن تستخدم بعض ما لديها في استئجار العبيد لحماية ما يتبقى لها من أبهة وسلطة.
العبيد الأكثر تفاهة وسفها والأقل خطرا هم الذي يهجمون على ميادين التحرير بالعاصمة والمدن الأخرى. وهذه تقنية مفضوحة تتم السيطرة عليها سواء بتكاتف الثوار أو بانتباه المجلس العسكري لأن زيادة أذى البلطجية عن حد معين يأتي خصما من سلطته وقدرته على الضبط والربط.
عبيد الحجارة وزجاجات المولوتوف الذين يُدعون إلى الموت مقابل مئة جنيه في الغزوة يثيرون الشفقة بقدر ما يثيرون الغضب.
' ' '
على الدرجة الثانية من سلم العبيد يقف جيش كبير من المرتبطين بفتات موائد أباطرة الفساد في كل مكان، من أقصى درجة إدارية إلى السعاة في المصالح الحكومية.
وهذا شيء بديهي؛ ففي ظل البيروقراطية العتيدة لا يمكن لابن الرئيس أن يحصل على عشرة آلاف فدان مجانية من دون الحصول على توقيع الوزير المختص، ولم يكن بوسع الوزير المختص أن يمرر عشرة لابن الرئيس وخمسة لنفسه إلا بمذكرة من وكيل الوزارة تشرح لماذا يكون الصفر سعرا عادلا لهذه المساحة من الأرض وهكذا، تنتقل المياه من أبهاء القصر الجمهوري إلى ظلمة غرفة أرشيف بمحافظة نائية، ومن عشرة آلاف فدان تفتح عليها بورصة الفساد، إلى عشرة جنيهات في يد موظف الأرشيف
هذه الشبكة المتينة من المصالح البيروقراطية التي كانت محمية باليد الأمنية، تحميها الآن الديمقراطية
باسم الديمقراطية يستطيع هؤلاء التكتل في وجه أية بادرة للتطهير وإعلان رفضهم للقادم.
والمجلس العسكري ـ الذي لا يستجيب لطلبات محاكمة القتلةـ يسارع إلى حماية الخيار الديمقراطي والاستجابة لطلبات المحتجين، التزاما بروح المرحلة الثورية.
والمراقب لمداولات تشكيل الحكومة الأخيرة تدهشه عجائب تكليف وزراء ثم إلغاء التكليف بناء على احتجاج في الوزارة التي ستستقبله، أو خبر في صحيفة
مرشح الآثار تم سحبه بسبب اعتصامات موظفي القطاع ضده، على الرغم من وجود قطاع رأي عريض آخر يرى أن رفض المرشح جاء لصالح مافيا الآثار وزاهي حواس الأشهر من الملك توت!
مرشح الاتصالات ظهر في برنامج تليفزيوني ليلة حلفه اليمين، لكنه لم يحلف في الصباح، حيث تم إقصاؤه بخبر في صحيفة حول مساهمته في شركة تتعامل مع الإسرائيليين، لكنه ظهر في برنامج تال ليقول إن جهاز أمن الدولة الذي يزعمون حله هو مصدر الخبر، وإن الجريدة التي نشرته ضليعة في هذه التبعية للجهاز.
وبافتراض أن المعتصمين والصحيفة على حق؛ فإن هذا يعني أن الاختيار لم يكن صائبا، وإن لم يكن الأمر كذلك فالاستجابة تعني ضعفا لا يصلح لإدارة دولة.
وفي كل الأحوال؛ فإن المستبعدين ينتهي أمر استوزارهم عند هذا الحد، ولن يعرف أحد إن كان استبعادهم خيرا أم شرا، لكن الذين يصلون إلى كراسيهم يعرفون أنهم وصلوا بفضل مصادفة حسنة، وأن المظاهرة التي كانت كفيلة باستبعادهم يمكنها أن تجد من ينظمها في وقت لاحق لإقالتهم، وبالتالي لا يجرؤون على اتخاذ قرار، وعلى دينهم سيمضي وكلاء الوزارة يتبعهم مدراء العموم وهكذا!
' ' '
على قمة سلم العبيد؛ فوق بلطجية الميدان وموظفي المصلحة العمومية يقف عبيد الطبقة العليا من الملتحقين بقصور الزمن الآفل، في الثقافة والإعلام خصوصا؛ من أسماهم المرحوم الكواكبي 'المتمجدون'. 
أولئك الذين يقربهم السلطان حتى لا يقال إنه لا يستخدم إلا السفهاء، وفي بلاطه يفقدون أرواحهم ويتلقون المكاسب والمميزات حتى في حق العلاج، وعزيز عليهم أن يفقدوا مواقعهم التي تبقت لهم بعد فقد الروح
يدرك هؤلاء أن اختفاء سلطان لا يعني أن البلاط لم يعد موجودا، والبلاط الآن يتنازعه مشير وميدان؛ فلتكن رجلا هنا ورجلا هناك.
لندعو إلى نصرة المشير لأنه حامي الثورة، ونصرة الثوار، لأننا كنا دائما مع الثوار!
هؤلاء هم أخطر أنواع العبيد، لأنهم لا يهاجمون الثورة بالحجارة؛ بل يحاولون ـ كفيروسات مراوغة ـ التسلل إلى دمها، وإن ذكرت الآن أسماء، أكون قد نزلت من فوق الشجرة إلى بركة الغائط؛ فيارب سلم

 

مقالات اخرى للكاتب

شكري ونظيره التركي يؤكدان ضرورة التوصل بشكل عاجل لوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة





اعلان