19 - 10 - 2024

أصَابَكَ عِشْقٌ!

أصَابَكَ عِشْقٌ!

(حُط إيدك على الحجر تسمع صهيل الجنود ،واقف على شط القنا تشوف دوبان القيود دي ، بلدي اللي صبرت وشالت في قلبها جه يوم تقول أنا الصبية ،عبرت الحدود)

هي مصر بجيشها وجنودها البواسل وقواتها المسلحة الصامدة وشعبها الرائع التي شكلت أروع ملحمة عسكرية وإنسانية في تاريخ البشرية الحديث والمعاصر ؛ ملحمة عسكرية باجتيازها خط بارليف المنيع وتحطيم أسطورة الكيان العسكري الصهيوني والجيس الذي لا يقهر فكان قهره على أيدي المصريين الذين ارتوت أرض الفيروز بدمائهم الشريفة ، جيش عظيم استطاع بفضل إدارة حكيمة وعقول مستنيرة أن تخطط وتصبر ، ثم تدبر ، ثم تنظم صفوفها لتدير أروع بانوراما عسكرية في تاريخ مصر ، ولأنني أرفض المحايدة والموضوعية حينما أتحدث عن وطني هي أغلى وأعظم بانوراما عسكرية في العالم أيضاً.

وملحمة إنسانية ساعة ما تحقق النصر بصيحة الله أكبر بغير مزايدات أو استغلال ديني محموم أو استخدام الدين كذريعة للوصول إلى مآرب دنيوية .إنسانية انمحى فيها صراع الأقليات والأيديولوجيات الفقيرة واعتلت الوطنية المصرية فقط مكان كل الطروحات الفكرية والتنظيرية التي من شأنها أن تقوض الوطن .

هي مصر العظيمة شعباً وجيشاً ، شعب يثور ويفجر طاقات الإبداع والحراك الجماهيري الاستثنائي ويقف وراء جيشه الباسل وهو يصنع معجزة القرن العشرين العسكرية ، هذا الشعب الذي لم يكن المعلم والملهم فحسب ، بل هو البوصلة التي تحرك الأرض فتهتز طرباً تارة ، ووجعاً تارة أخرى .

تمر الذكرى الواحدة والأربعون على حرب أكتوبر المجيدة ، ونحن لا نزال نحتفي بجنودنا البواسل وقواتنا المسلحة التي مهدت وهيأت لجيلنا أن يغدو مرفوع الرأس بغير انحناء ، أنا وغيري من مواليد هذه الحرب ، أعيننا لا تزال متعلقة برئيس استثنائي خالد هو الرئيس محمد أنور السادات ، الذي حارب وانتصر ، وسالم فانتصر ووقى جيلي ويلات الحروب وبطشها الغاشم .

مصر اليوم تحتفي بنصر عظيم ، ظلت قوى الظلام أو ما عرف بتيارات الإسلام السياسي تحاول أن تنال منها ومن سمعتها وقوتها ، وهي في حقيقة الأمر لم تفلح في السياسة شأن إخفاقها في الدين أيضاً فكان سقوطها سريعاً بغير وقوف مجددا ، وهذه هي الحقيقة التي لا تعيها تلك التيارات الضعيفة والمريضة.

مصر اليوم تتفاخر بجيشها العظيم ، وكم من متهوك صاغر ظل يجتر عبارات سخيفة تعادل سخافته العقلية المريضة حينما وصف شعب مصر الرائع بأنه عبيد للبيادة العسكرية ، والعذر له لأن الرجولة صناعة ، ومن سوانا يفتخر بجيشه وقواته المسلحة ؟ هل نطلب ذلك التفاهر والتباهي من الكيان الصهيوني مثلاً ، أو من دويلة قطر المسكينة التي سرعان ما اكتشفت حجمها بجوار مصر الكبيرة ، أم من تركيا الزاحفة وراء حلم الخلافة المستحيلة ، والبحث عن دور الزعامة عن طريق دعم فصيل بات مرفوضاً داخل النسيج المصري.

هذا الفصيل الذي سعى طيلة أشهر ولا يزال أن يقوض جيش بلاده التي تؤويه وترعى مصالحه ، لكنها الخيبة وفقدان الهوية والوطنية ، ولأن هذه السطور خصصت من أجل نصرنا وجيشنا وشعبنا المرابط والواقف بجوار جيشه وقواته المسلحة الباسلة فلا يليق تعكير الصفو بحديث باهت عن فترة بليدة من تاريخ مصر.

وقديما كنا نسمع إذا أردت أن تكون رجلاً قوياً صاحب تجربة حقيقية يجب عليك أن تلتحق بالخدمة العسكرية وخدمة الجيش المصري مصنع الرجال ، فكيف فأولئك الذي حاربوا وعبروا وانتصروا وقدموا أرواحهم هدية لنا ولجيلي الذي يقدر أدوار البطولة وحزن عندما شاهد قتلة السادات بطل الحرب والسلام وهم يحتفلون بجواره بنصر أكتوبر. لكنه كان على يقين بأن الظلمة وإن طالت سيأتي صبح جديد .

مصر التي وجدنا في قصائد صلاح جاهين ، وعرفناها في شعر أمير الشعراء أحمد شوقي ، وتلمسنا سحرها في ثنايا كتابات العبقري جمال حمدان ، وهي البهية الطاهرة المهرة الولادة عند أحمد فؤاد نجم ، وهي الأهرامات والنيل وقناة السويس والسد العالي ، وهي الجندي والفلاح البسيط والموظف والوزير والرئيس ، هي درس بسيط في التنوع الثقافي ، ولو أدركت إسرائيل هذا الأمر لكان عليها أن تبني مئة خط باليف آخر.

وغريب أمر هولاء الذين لا يريدون أن يحتفلوا معنا وجيشنا العظيم بانتصارنا الأروع على إسرائيل واستعادة أراضينا المغتصبة ، والأعجب أنهم يدغدغون مسامع البسطاء بحديث مكرور عن فلسطين وغزة ومذابح الإسرائليين في الوقت الذي كان ينبغي عليهم أن يسردوا ملامح الملحمة الوطنية والعسكرية التي قام بها هذا الجيش القوي ، ويقصون على مسامعنا ما ارتكبه الأنجاس المناكيد الصهاينة بحق جنودنا في نكسة الخامس من يونيو .

وقبل عام مضى قلت عن جيشنا ونصرنا وشعبنا في مثل هذه المناسبة ، وأكرر ، إن انتصار أكتوبر قاده شعب عظيم قبل جيشه الذي قدم للوطن حدثاً فريداً في تاريخه ومجداً مقيماً نظل نتذكره ونُذكِّره أيضاً للأجيال المتعاقبة، هذا النصر إن أمكن لنا تحليل هدف استرجاعه ذهنياً هو مطمح راق من أجل عدم الوقوع في غياهب الإحباط أو الاستسلام الوئيد لمشاعر اليأس التي تجتاح صدور بعض المصريين، إن أكتوبر النصر والحدث درس عظيم من شعب قادر على لم شتاته وقت الأزمات والشدائد التي تعصف به، فالمواطن الذي مزقته وقائع السياسة الداخلية وإبطاء قرار العبور العظيم نجح في أن يعبر أزمته النفسية واجتاز بنجاح مخاطر المرحلة الضبابية والحرب النفسية التي كان يحياها مثلما استطاع البواسل ضباط وجنود مصر العظيمة دائماً في اقتحام واجتيار وعبور خط بارليف الذي صُوِّر للبعض أنه منيع.

مصر أكتوبر بالنسبة لأجيال النصر أكبر من انتصار عسكري على الكيان الصهيوني المتغطرس آنذاك، وأعمق من مجرد تخطي هزيمة يونيو1967م، وأروع من تلك المشاهد السينمائية التي جسدتها أفلام السبعينيات والتي أعقبت النصر.

تحية لمصر أولاً ، ولجيشها الذي يأبى أن تضيع مصر ، وأن تتحول إلى ساحة حرب اقتتالية من أجل فصيل لم يصدق يوماً أنه وصل إلى سدة الحكم في فترة سياسية واجتماعية مضطربة ، فكان مشهد الصعود أقرب الصلة بوقت الرحيل ، فوضى وعبث واضطراب واستغلال للدين .

قل لي بموضوعية لا أعترف بها وأنا أتحدث عن وطني وجيشي :ماذا سوى قواتك المسلحة تتباهى ؟ بتعليمك الذي يئن وجعا ؟ أم بصحتك التي تلهث وراء العقاقير ؟ هو جيشك وحده الذي يمكنك أن تتفاخر به ، لكن مشكلة البعض أنه يفقد ذاكرته بسرعة خاطفة فينسى ثورة الضباط الأحرار ضد فساد ملك وحاشية أكثر منه فساداً وطغياناً ، ونصر مجيد وعبور تاريخي ، وثورة حماها الجيش والشعب ، ثم محاولة بليدة لخطف الوطن تصدى لها الجيش بإشارة من شعبه العظيم.

أكتوبر الذي يظل أهم إحدى العلامات الفارقة في العسكرية العالمية التي ينبغي أن نعتز بها ونكرس ثقافتها لدى أبنائنا وطلابنا، هذه العسكرية المذهلة التي وقف عندها ذهولاً ودهشة الجنرال الإسرائيلي ناركس نائب القائد العام للجبهة الجنوبية يوم التاسع من أكتوبر 1973 بقوله: " لابد أن نشهد للمصريين بحسن تخطيطهم، لقد كانت خطتهم دقيقة وكان تنفيذهم لها أكثر دقة، لقد حاولنا بكل جهدنا عرقلة عملية العبور وصدها بالقوة وردها على أعقابها، للكننا ما كدنا نتمثل ما حدث إلا وقد تحققت لهم نتائجه كأننا أغمضنا أعيننا وفتحناها فإذا بالجنود المصريين قد انتقلوا تحت النار من غرب القناة إلى شرقها ووجدناهم صباح السابع من أكتوبر بخمس فرق كاملة أمامنا".

تحية لجيشي الذي وقانا وجيلي ويلات الحروب ، فكبرنا وتعلمنا وتزوجنا وصرنا آباء وبفضل الله ورعايته سنصبح يوماً ما أجداداً لنا أحفاد ، وسنجلس معهم مجددين الذكرى نروي ونقص حكايا وبطولات هذا الشعب وجيشه حينما قهر الكيان الصهيوني .. عظيمة يا مصر.

##

مقالات اخرى للكاتب

قَهْوَة بَلَدِي .. التَّعْلِيْمُ حِينَمَا يَبْكِي حَالَهُ !