من يكتب تاريخ مصر ؟ سؤال يطرح نفسه بقوة بعد أن بدأت الأهواء والميول الشخصية تتحكم في كتابة التاريخ والوقائع .. وأصبح كل واحد يكتب التاريخ من وجهة نظره الشخصية ورؤيته الشخصية وتفسيره الشخصي ..

السؤال يطرح نفسه بعد أن قامت وزارة التعليم بوضع صور لعناصر من حركة تمرد على أنها هي من صنعت ثورة 30 يونيو رغم أنها كانت ثورة شعب وليست ثورة حركة ولسنا هنا في صدد تقييم دور تمرد أو محمود بدر أو غيره من عناصر حركة تمرد أو عن الخلافات التي ظهرت بينهم والاتهامات المتبادلة والسباب العلني المتبادل بين المنشقين ليكون كل منهم هو الوحيد في الصورة

ما يعنينا هنا هو أن تاريخ مصر للأسف يكتبه أصحاب الأهواء وليس المحايدين أو المؤرخين الذين ينقلون الحدث دون تدخل فيه .. وهذا ما عانينا منه منذ زمن بعيد .. فبعد ثورة يوليو قام مجلس الثورة بمحو كل أثر للملك فاروق ولمن قبله من العائلة المالكة وأصبح كل ما كان قبل الثورة منكرا يجب التخلص منه حتى أن صورة الملك فاروق تم محوها من الأفلام التي كان تظهر بها ..

واستمر التزييف يالتاريخ بعد عزل الرئيس محمد نجيب أول رئيس جمهورية واعتقاله ونفيه ليصبح أول رئيس جمهورية هو جمال عبد الناصر حتى أن كثيرا من طلبة المدارس لم يكن يعرف حتى اسم محمد نجيب حتى ظهر من يعيد الحق لأصحابه وعاد نجيب أول رئيس جمهورية مصري بعد عقود طويلة من قهر الرجل وعائلته .

حتى حرب أكتوبر لم تسلم من التزييف بعد موت السادات رحمه الله فأصبح مبارك هو بطل أكتوبر وانحصرت حرب أكتوبر في الضربة الجوية فقط رغم أهميتهاورغم أهمية دور مبارك وقتهاكقائد للقوات الجوية.. ونسي الناس دور السادات في الحرب بل إن هناك صورا تم تزويرها عمدا ليختفي منها أبطال حقيقيون ويظهر فيها آخرون

أحداث كثيرة في مصر يتم محوها من التاريخ لمجرد أن المرحلة تغيرت فيقوم قائد المرحلة بحذف كل ما يمت لهذه الفترة من التاريخ ويكتب تاريخه هو فقط وهي للآسف عادة فرعونية قديمة بدأت عندما كان الفرعون يمحو المكتوب على المسلات من انتصارات الفراعين السابقين له ويكتب أمجاده هو فقط

أتذكر عندما قرأت كتاب تاريخ الجبرتي للمؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي وهو نموذجلما يجب أن تكون عليه كتابة التاريخ يدون فيه بدقة شديدة تاريخ مصر في فترة من أهم الفترات  أثناء الحملة الفرنسية على مصر وما بعدها وهي الفترة الوحيدة التي أعتقد انها لم يصبها الهوى أو التزييف ولذلك فكل المصريين يعرفون ما حدث فيها ويعرفون أبطالها بالاسم وما دار فيها من معارك وانتصارات وهزائم ويعرفون فضائح الاحتلال طوال فترة وجوده بمصر .. حتى وصلنا لمرحلة الثورات التي غيرت مفاهيم تدوين التاريخ حتى أصبح يكتب على هوى الموجود في الحكم ويمحى ما قبله

والآن وصلنا لمرحلة جديدة من تزييف التاريخ .. فلم يعد الحاكم الآن هو من يكتب التاريخ بل كل صاحب هوى يؤرخ لنفسه ولجماعته فقط ويمحو ما عدا ذلك

فالإخوان عندما وصلوا للحكم وضعوا تاريخهم هم كجزء من عمليةالأخونة التي كانوا يمارسونها حتى سقطوا وسقط ما كتبوه والآن يظهر علينا من يكتب تاريخ مصر من وجهة نظره الشخصية فيرفع من شأن جماعته فقط ويمحو ماعداهم .. فاليساري يرى أن اليساريين هم من صنعوا الثورة والليبرالي يرى أن الليبراليين هم صانعو الثورة وكل فصيل يرى نفسه فقط ولايرى الآخرين .. حتى الشواذ يعتبرون أنهم صنعوا الثورة

تناسى الجميع أن الشعب هو من قام بثورته وأن من يدعي شرف القيام بذلك هم مجموعات كان لها دور محدد فقط وليس هم الثورة نفسها ..

30 يونيو كانت ثورة شعب أيدها الجيش ودعمها ولم تكن ملكا لتمرد ولا لمحمود بدر ولا لدومة أوأسماء ولا علاء عبد الفتاح فهؤلاء أقل من ان يحركوا شعبا بكامله

وكما أنصف التاريخ محمد نجيب وغيره من عظماء مصر الذين تجاهلهم البعض لفترات فسوف يعود التاريخ الحقيقي ليكتب الحقيقة بلا تزييف ولا انحياز لفصيل على آخر .. والسؤال الأهم الآن وسط كل ما يحدث هو من يكتب تاريخ مصر ؟ وهل يحدث في الأمم الأخرى ما يحدث لتاريخنا الذي يعبث به كل صاحب هوى ؟

مرة اخرى .. من يكتب تاريخ مصر ؟!

##