26 - 06 - 2024

الجامعات.. تطوير الذات الطريق لحماية المنشآت

الجامعات.. تطوير الذات الطريق لحماية المنشآت

في الوقت الذي تحتفى فيه دول العالم بالموسم الدراسي وتتسابق إلى تطوير العلمية التعليمية والإرتقاء بالجامعات باعتبارها القاطرة التي تقود مسيرة التنمية وتخريج المبدعين في المجالات كافة، كانت الحكومة المصرية تستعد للدخول في موسم الحرب الجامعي، فقبل أن تدق الجامعة أجرسها وتفتح المدرجات أبوابها خرجت تصريحات نارية من القيادات الامنية والجامعية تعلن حالة الـتأهب لهذه المعركة، فقد قال اللواء مدحت المنشاوى مساعد أول وزير الداخلية لقطاع العمليات الخاصة، إنه تم اتخاذ كل السبل الأمنية لتأمين الجامعات، ومواجهة الخارجين عن القانون مهدداً في تصريحات صحافية "الجدع يفكر يعطل الدراسة".

أما رؤساء الجامعات فقد تقمصوا دور ابطال الحرب وارتدوا بذات رجال الأمن وتسابقوا في اعلان التهديدات للطلاب المخربين والمتظاهرين بدلاً من البحث عن حلول علمية واساليب فكرية لاستيعابهم، وتغير أفكارهم. أما ووزير التعليم العالي فقد اعلن عن التعاقدات الامنية مع الشركات المتخصصة وتركيب البوابات الالكترونية وتعالية الاسوار الجامعية وزيادة القوات وغيرها من التصريحات وكأن الدولة مقبلة على موسم الحرب وليس موسم التعليم والتطوير وبناء الذات والمهارات وصناعة الأجيال.

وفي اليوم التالي لكل هذه التصريحات تحطمت البوابات واختفت الشركات التي دفعت لها الحكومة ملايين الجنيهات.

للاسف تحولت الجامعة والموسم الدراسي إلى مصدر للازمات وليس مصدر لحل مشكلات الوطن وبناء الاجيال، ولازالت الحكومات المتعاقبة تواصل نفس السياسات العقيمة في التعامل مع الطلاب، فقد عمل الرئيس الراحل محمد أنوار السادات على استغلال طلاب الجامعات لتحقيق بعض مآربه  في مواجهة الجماعات المعارضة لحكمه، وفي عهد الرئيس المخلوع تحولت الجامعة إلى بؤر أمنية بعضها يراقب البعض الأخر على غرار النظام السوري، وفي عهد الرئيس المعزول تحولت الجامعة إلى ساحة للمعارك وتصفية الحسابات بين الليبرالين والعلمانين والاسلاميين وانحاز المعزول إلى أبناء مهنته فمنحهم مكآفآت مالية - مستحقة - دون أن يضع لها ضوابط أو معايير أويربطها بالبحث والعلمي والتطوير فلم تؤتي الزيادات المالية ثمارها ولم تحقق هدفها.

وجاءت الحكومة الحالية لتمارس نفس السياسات السابقة، فبدلاً من تشخيص الأزمات والبحث عن حلول واقعية لمعانتنا التعليمية واستيعاب الطلاب بالفكر البًناء والحوار وفتح الانشطة المتنوعة لتدريبهم وتأهيلهم على تحمل مقاليد الأمور في المستقبل قررت منع السياسة وغيرها من الانشطة التي تساهم في بناء شخصية الطلاب بدرجة لاتقل أهمية عن المحاضرات ومذاكرة الدروس والواجبات.

لم تدرك الحكومات المتعاقبة أن جماعة الاخوان وغيرها من التيارات دخلت الجامعة واستولت على عقول الشباب لغياب دور الحكومة والأزهر والأوقاف ودار الافتاء، فالأولى مشغولة بالروتين ولم تفكر في التطوير والأزهر لم يعد يملىء العقول بالفكر المستنير وتفرغ رجاله مع الأوقاف والأفتاء للدفاع عن الحكومات مثلما يحدث الآن تجاه حج وئيس الوزراء.

وأمام تقاعس الدولة على مدار السنوات الماضية نجحت التيارات المختلفة في ملىء الفراغ الروحي والفكرى والعقلي للطلاب على هواها وظلت الحكومة تواجه الأمر بنفس الطريقة التي تواجه بها إقامة العشوائيات، حيث تركت الأزمة تكبر أمام اعينها رويداً رويداً دون أن تحرك ساكناً حتى خرجت عن السيطرة.

كل هذه السياسات جعلت الجامعات المصرية في ذيل القائمة العالمية وأصبحت متخصصة في تخريج أجيال من البطالة المقنعة الغير قادرة على الابداع والتطوير ومواصلة مسيرة التنمية والرخاء، فانهارت الكثير من القيم الإنتاجية وتراجع الوطن على المستويات كافة، نتيجة لتولى المسئولية أنصاف وربما أرباع المتعلمين الذين تقذف بهم الجامعات إلى طابور العاطلين.

 وعندما قررت الدولة العلاج تجاهلت التشخص السليم، وكأنها لا تعى أن بناء العقول وتطوير الذات واستيعاب الطلاب  فكريا وبنائهم علميا هو الطريق الأمثل لحماية المدرجات والحفاظ على المتتلكات، وأن الحل الأمنى رغم أهميته والحاجة إليه في بعض الأوقات إلا أن عمره قصير ولايملىء العقول ولكن الحل العلمي يعيش على مدار العصور.

##

 

مقالات اخرى للكاتب

طالبة الآداب .. هل قتلت بالحب أم بالجهل وغياب الوعي؟





اعلان