26 - 06 - 2024

مينا بيشتغلني

مينا بيشتغلني

في حضرة سيدنا الميدان....

في واحد من أهم أفلام "إيليا كازان" يحكي بطل الفيلم "مارلون براندو" عن: بلاد بعيدة يحلق في سمائها طائر غريب بلا سيقان. لا يكف عن الطيران، ينام في الريح، ولا يحط سوى مرة واحدة في حياته .. مرة واحد لا غير، كي يموت.

....

لم يكن ممكنا للشاب القبطي الثائر "مينا دانيال" أن يهبط على الأرض إلا بالموت، وقد هبط إليها، داخل  جوفها، في أكتوبر 2011. وتمر هذا الشهر الذكرى الثالثة لوفاته.

...

لم أقابله سوى 5-6 مرات، أول مرة اتقابلنا كان في اجتماع لحركات كتير كانت قد نشأت بعد الثورة، حركات شعبية حقيقية من أقصى شمال مصر إلى أقصى جنوبها. لم تكن كما كان "ائتلاف شباب الثورة" الذي نشأ في نفس التوقيت ليتحاور مع ممثلي النظام، بل كانت تلك الحركات تحاول فتح قنوات للحوار بين بعضها البعض، وتحاول تنسيق وجودها في الميدان وفي كل ربوع مصر.

قابلته بعد ذلك في ميدان التحرير. وكل مرة أقابله فيها كنت باحس انه بيشتغلني. يفضل واقف يتكلم معايا عن الثورة والميدان والحقوق والأقباط والمسلمين، وشبرا والوراق، والاشتراكية والليبرالية والفوضوية. وفي كل مرة تحاورت معه لم أكن ألحق أتبين منه وجهة نظر واضحة مبنية على معلومات وقراءات سابقة تستطيع أن تقدم تصورا (حتى ولو مختلف معه) عن تعقيدات الظرف الآني والماضي والآتي، لأنه كان بيتكلم بسرعة وعينيه علطول بتدور على حاجة مش عارف أيه هي، وفجأة تلاقيه طار لمكان تاني وسط الميدان، يغني مع دول شوية ويرقص مع دول شوية، ولو بدأ الضرب من بتوع الداخلية ولا الطرف التالت، تلاقيه –رغم نحافة جسده- في الصفوف الأولى مدافعا عن الميدان والثورة. وعلى الرغم من أنني لم أستطع أبدا تبين وجهة نظره بشكل واضح إلا أنني كنت دوما أستشعر مدى إخلاصه وإصراره على قضية وطنية عنوانها عنده: "مصر"

...

قرأت خبر وفاته أمام ماسبيرو على الفيس بوك، واتصلت بأحد الأصدقاء فأكد لي الخبر .. مينا مات ... أيوة كدة صح .. مينا كان لازم يموت عشان أتأكد إنه مكانش بيشتغلني ولا حاجة. وأنه فعلا ذلك الطائر الذي ينام في الريح ولا يحط على الأرض إلا مرة واحدة، كي يموت.

.....

ياترى انت مت فعلا يا مينا ولا لسة حي وبتشتغلني، وفي أول مرة أقابلك هاتحكيلي بعفويتك عن تلك البلاد التي لازالت بعيدة، تحكيلي عن مصر المدنية.

عيش حرية كرامة إنسانية

....

مقالات اخرى للكاتب

مينا بيشتغلني





اعلان